الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

صلة أرحام الزوجة


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فبالعقد الشرعي على البنت تحرم الأم للقاعدة التي تقول العقد على البنات يحرم الأمهات والدخول على الأمهات يحرم البناء، ومن محاسن هذه الشريعة أن هذه المحرمية التي نشئت بعقد الزواج بين الرجل ووالدة زوجته هي حرمة تأبيدية لا تزول حتى لو زال النكاح بفرقة الطلاق أو فرقة الموت، وهذا الأمر يؤكد من الترابط الأسري ودوام المودة بين الرجل وجدة أولاده حتى لو لم يكن زواجا، وفي هذا فتح لباب الإحسان لها وبرها أعني أم الزوجة والإسلام دين يدعو إلى الإحسان إلى الناس عامة وإلى أهل القبلة خاصة ويزداد الإحسان مع جيران الرجل وأقاربه وأصهاره، وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى." رواه مسلم وغيره.

وقال صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض، يرحمكم من في السماء." رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطعت رحمه وصلها." رواه البخاري ।
أخوات الزوجة:
أما أخوات الزوجة فالحرمة المعقودة بينكم هي حرمة مؤقتة أقصد حرمة النكاح وهذه الحرمة المؤقتة أو عدمها لا يبيح للرجل أن يطلع على أي شيء من أخوات زوجته فهو أجنبي عنهم وهن أجنبيات عنه، فالخلوة محرمة ورفع الحجاب محرم، ولكن كل هذا لا يمنع من الإحسان إليهن وإكرامهن في حدود ما يسمح به الشرع .

وقد روت لنا كتب السنن كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم هالة أخت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وأرضاها فقد روى الإمام أحمد بن حنبل عن أم المؤمنين عائشة قالت : استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرف استئذان خديجة وتذكره ، فارتاع لذلك । فقال : اللهم هالة بنت خويلد . فغرت . فقلت : وما تذكر من عجوز من عجائز قريش . حمراء الشدقين هلكت في الدهر فأبدلك الله خيرا منها" تريد نفسها لصغر سنها ، فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم . حتى قالت له : لا أذكرها بعد هذا إلا بخير. نأخذ منها إكرام أهل الزوجة سواء أكن أمهات أو أخوات ولكن الضابط هو ما يسمح به الشرع من عدم خلوة ورفع حجاب وخضوع في الصوت إلخ
والله أعلم


د/ محمد سعدي


الحيلة في إرجاع الحق من صاحب العمل الظالم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.. الحقوق نوعان أيها السائل الكريم حقوق الحق فيها ظاهر لا يعتريه أدنى شبهة، وحقوق فيها نزاع بين الطرفين كل يدعي أنه صاحب الحق. والذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يجوز للإنسان أن يأخذ حقوقه الظاهرة التي منعها غيره منه، ومعنى الحقوق الظاهرة.... تلك الحقوق التي لا تحتاج إلى إثبات مثل نفقة الزوجة على زوجها ومن الحقوق التي فيها نزاع عد شيخ الإسلام القرض الذي جحده المقترض ورفض سداده وهو قادر عليه،والعلماء في المسألة الأخيرة لهما رأيان هناك من أجاز وهناك من منع، وذكر كل هذه الأقوال شيخ الإسلام ابن تيمية قائلا: جاء في فتاوى ابن تيمية :
وأما إذا كان لرجل عند غيره حق من عين أو دين . فهل يأخذه أو نظيره بغير إذنه ؟ فهذا نوعان : أحدهما : أن يكون سبب الاستحقاق ظاهرا لا يحتاج إلى إثبات مثل استحقاق المرأة النفقة على زوجها واستحقاق الولد أن ينفق عليه والده واستحقاق الضيف الضيافة على من نزل به فهنا له أن يأخذ بدون إذن من عليه الحق بلا ريب؛ كما ثبت في الصحيحين { أن هند بنت عتبة بن ربيعة قالت : يا رسول الله : إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وبني . فقال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف } فأذن لها أن تأخذ نفقتها بالمعروف بدون إذن وليه . وهكذا من علم أنه غصب منه ماله غصبا ظاهرا يعرفه الناس فأخذ المغصوب، أو نظيره من مال الغاصب . وكذلك لو كان له دين عند الحاكم وهو يمطله فأخذ من ماله بقدره ونحو ذلك .

والثاني : ألا يكون سبب الاستحقاق ظاهرا : مثل أن يكون قد جحد دينه، أو جحد الغصب ولا بينة للمدعي . فهذا فيه قولان :
أحدهما : ليس له أن يأخذ وهو مذهب مالك وأحمد .
والثاني : له أن يأخذ وهو مذهب الشافعي . وأما أبو حنيفة- رحمه الله - تعالى فيسوغ الأخذ من جنس الحق ؛ لأنه استيفاء، ولا يسوغ الأخذ من غير الجنس لأنه معاوضة فلا يجوز إلا برضا الغريم . أهـ
والذي نذهب إليه في هذه المسألة أنه في مسألة الحقوق المتنازع عليه نرجح ما ذهب إليه الإمام مالك وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما وما ذهب إليه أبو حنيفة لأنه سيفضي إلى كثير من المشاحنات وسوف يعقد الأمور بدلا من أن يوجد لها حلا، والحقوق المتنازع عليه تحل إما عن الطريق التراضي أو عن طريق التقاضي لا غير ذلك، أما الحقوق الظاهرة فيجوز للمسلم استعمال الحيلة في ردها له بل أجاز الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد استعمال الكذب لإرجاع الحق لصاحبه قال رحمه الله في زاد المعاد:
قال ابن القيم في زاد المعاد: يجوز كذب الإنسان على نفسه وغيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه.
والله أعلم.

الأحد، 28 نوفمبر 2010

تحية المسجد والإمام يخطب


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فتحية المسجد عامة فضيلة وليست واجبة، وصلاة تحية المسجد والإمام يخطب من المسائل الخلافية فهناك من أجازها للحديث الذي رواه الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس، فقال له: يا سليك، قم فاركع ركعتين، وتجوَّز فيهما. ثم قال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما. واللفظ للإمام مسلم.
وقد منعها المالكية وقالوا إن الحديث منسوخ، قال خليل : ومنع نفل وقت طلوع شمس وغروبها وخطبة جمعة،
و جاء في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني من كتب المالكية :
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ وَلَوْ لِلدَّاخِلِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَمُقَابِلُهُ جَوَازُ إحْرَامِهِ وَلَوْ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ ، وَعَلَيْهِ السُّيُورِيُّ مِنْ عُلَمَائِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا قَائِلًا : الرُّكُوعُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ : { أَنَّ سُلَيْكًا الْغَطَفَانِيَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَصَلَّيْت ؟ فَقَالَ : لَا ، فَقَالَ : قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزْ فِيهِمَا } وَلِخَبَرِ : { إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ يَجْلِسُ } .
وَدَلِيلُنَا:
مَا فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ : { أَنَّ رَجُلًا تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ : اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت } فَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ دُونَ الرُّكُوعِ ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَخَبَر: {إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت} نَهْيٌ عَنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ وُجُوبِهِ ، فَالْمَنْدُوبُ أَوْلَى ، وَأَمَّا خَبَرُ سُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ وَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِالرُّكُوعِ لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَيُحْتَمَلُ نَسْخُهُ بِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ مُعَارَضَتِهِ وَعَدَمِ نَسْخِهِ فَحَدِيثُنَا أَوْلَى كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لِاتِّصَالِهِ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: وَلِجَرْيِهِ عَلَى الْقِيَاسِ مِنْ وُجُوبِ الِاشْتِغَالِ بِالِاسْتِمَاعِ الْوَاجِبِ، وَتَرْكِ التَّحِيَّةِ الْمَنْدُوبَةِ . أهـ
والله أعلم.

الخميس، 25 نوفمبر 2010

حكم بيع شعر الآدمي .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فعلماء المذاهب الأربعة على حرمة بيع شعر الآدمي وعلى حرمة الانتفاع به وذلك لأن بيعه فيه امتهان لحرمة الإنسان وكرامته؛ وأيضا يحرم الانتفاع بالشعر الآدمي لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة. رواه البخاريوعن حرمة بيع شعر الآدمي جاء في "العناية شرح الهداية" في الفقه الحنفي: ولا يجوز بيع شعور الإنسان، ولا الانتفاع بها؛ لأن الآدمي مكرم لا مبتذل، فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهانًا ومبتذلاً.


وجاء في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق من كتب الحنفية:قَالَ ( وَشَعْرِ الْإِنْسَانِ ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَعْرِ الْإِنْسَانِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُزْؤُهُ مُهَانًا، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ }، وَإِنَّمَا لُعِنَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إهَانَةِ الْمُكَرَّمِ.

وقال العدوي المالكي في حاشيته على شرح مختصر خليل للخرشي : تنبيه: سئل مالك عن بيع الشعر الذي يحلق من رؤوس الناس؟ فكرهه.
وقال النووي في المجموع - وهو من كتب الشافعية -: ما لا يجوز بيعه متصلاً لا يجوز بيعه منفصلاً، كشعر الآدمي.
وقال البهوتي في "كشاف القناع" - وهو من كتب الحنابلة -: ولا يجوز استعمال شعر الآدمي مع الحكم بطهارته لحرمته، أي احترامه. اهـ

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:اتّفق الفقهاء على عدم جواز الانتفاع بشعر الآدميّ بيعاً واستعمالاً، لأنّ الآدميّ مكرّم لقوله سبحانه وتعالى : « وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ » .
فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهاناً مبتذلاً . أهـ

وعن حرمة استعمال الشعر الآدمي والانتفاع به لأنه يدخل في الوصل المنهي عنه يقول الدكتور /محمد نعيم ياسين -رئيس قسم الفقه المقارن والسياسة الشرعية- كلية الشريعة والدراسات الإسلامية- جامعة الكويت في بحث له بعنوان بيع الأعضاء الآدمية:[بتصرف]هذا ولا بد من الإشارة إلى أن بعض أجزاء الآدمي لا يجوز بيعها بحال من الأحوال، لورود نص خاص في النهي عن استعمالها، أو لتنافيها مع مبدأ شرعي آخر غير ما ذكر، ومن ذلك :
بيع الشعر الآدمي وشراؤه لوصله بشعر المشتري ؛ فقد ورد عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : جاءت امرأة إلى النبي r فقالت : يا رسول الله، إن لي ابنة عريسا، أصابتها حصبة فتمرق شعرها، أفأصله ؟ فقال: " لعن الله الواصلة والمستوصلة .


وأغلب الظن أن حكمة النهي عن ذلك ليست هي ما ذهب إليه بعض علماء الحنفية من تنافيه مع ما جعل لابن آدم من تشريف وتكريم، وإنما لما فيه من تزوير بتزين المرء بما ليس فيه، وهذا منهي عنه، فقد قال الرسول r ( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)، ومعناه المتكثر بما ليس عنده، بأن يظهر أن عنده ما ليس له يتكثر بذلك عند الناس ويتزين بالباطل، فهو مذموم كما يذم من لبس ثوبي زور .


ويؤيد هذا المعنى ما صح عن رسول الله r أنه زجر عن أن تصل المرأة برأسها شيئا، فشمل بهذا الزجر كل شيء تصله بشعرها وإن لم يكن شعر آدمي، ما دام بظهرها بمظهر ليس فيها .
ومن ذلك أيضا بيع مني الرجل، فلا شك في حرمته وبطلانه ؛ لأن استعماله بعد البيع فيما خلق له من طلب النسل يؤدي إلى اختلاط الأنساب، وهو حرام بلا خلاف .

والله أعلم.

الاثنين، 22 نوفمبر 2010

حق الزوجة في سكن مستقل


سألتني إحدى النساء قائلة ما حكم الشرع في إني أريد منزلا منفصلا عن أهل زوجي وخاصة أن زوجى وعدني بذلك قبل الزواج؟
فكان مما أجبتها به قولي:
بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
الأخت الفاضلة : الجواب هذا السؤال له شقان شق شرعي، وشق اجتماعي، فمن حقك شرعا على زوجك أن يسكنك في بيت مستقل دون أن يشرك معك أحدا من أهله أو أقاربه رجالا أو نساء، وحجاب الزوجة في مسكن العائلة عند وجود إخوة الزوج الأجانب عن المرأة فيه قيد شديد على المرأة، وربما حدث من أثر الاحتكاك اليومي مشكلات تؤدي إلى الشقاق.
فعليك أن تصارحي زوجك بذلك، واشرحي له كيف أن الزوجة تحب أن تلبس لزوجها وأن تعيش معه في بيت الزوجية دون أن تتكلف أعباء زائدة عليها مثل التزام الحجاب طيلة الوقت، واجتنابها في الوقوع في الخلوة المحرمة،
وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من دخول أقارب الزوج الأجانب على الزوجة ففي الحديث المتفق عليه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت " . والحمو : قريب الزوج الذي ليس محرما للزوجة .
وأعلميه أن هذا حقك شرعا لقول الحق سبحانه وتعالى:" أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ " [الطلاق/6].
وعلى الزوج أن يوفر لزوجه هذا المسكن ، بحسب ما يتناسب مع حالها في حدود قدرته المالية.
أما الجانب الاجتماعي فيتمثل في كيفية حصولك على هذا الحق الشرعي، وهذا يستلزم منك دراسة هذه المشكلة حتى تجدين حلا لها ولن يتأتى هذا الحال إلا إذا تفهَّم زوجك أن هذا حقك وأنه عليه أن يجيبك إلى هذا الطلب، وإذا كان يخشى إغضاب أهله فبإمكانه أن يعتذر إليهم بأنك أنت التي لا تريدين ذلك، وأنك متمسكة بحقك الشرعي في استقلالك بمنزل مستقل، فغضب أهله عليك منك أخف من غضبهم على ولدهم. كما يمكنك أن توسطي بينك وبينهم أهل العلم والفضل والعقل.

وعليك أن تتلطفي مع زوجك لكي تحصلي منه على حقك الشرعي في مسكن مستقل، وغياب الحنكة وعدم التلطف في مثل هذه الأمور قد يحدث شرخا في بنيان الأسرة ـ نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمع بينكما في خير.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :
السكنى للزوجة على زوجها واجبة, وهذا الحكم متفق عليه بين الفقهاء, لأن الله تعالى جعل للمطلقة الرجعية السكنى على زوجها. قال تعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } فوجوب السكنى للتي هي في صلب النكاح أولى. ولأن الله تعالى أوجب المعاشرة بين الأزواج بالمعروف قال تعالى : { وعاشروهن بالمعروف } ومن المعروف المأمور به أن يسكنها في مسكن تأمن فيه على نفسها ومالها, كما أن الزوجة لا تستغني عن المسكن; للاستتار عن العيون والاستمتاع وحفظ المتاع. فلذلك كانت السكنى حقا لها على زوجها, وهو حق ثابت بإجماع أهل العلم.

فالجمع بين الأبوين والزوجة في مسكن واحد لا يجوز - وكذا غيرهما من الأقارب - ولذلك يكون للزوجة الامتناع عن السكنى مع واحد منهما; لأن الانفراد بمسكن تأمن فيه على نفسها ومالها حقها, وليس لأحد جبرها على ذلك. وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة. وذهب المالكية إلى التفريق بين الزوجة الشريفة والوضيعة, وقالوا بعدم جواز الجمع بين الزوجة الشريفة والوالدين, وبجواز ذلك مع الزوجة الوضيعة, إلا إذا كان في الجمع بين الوضيعة والوالدين ضرر عليها. وإذا اشترط الزوج على زوجته السكنى مع الأبوين, فسكنت ثم طلبت الانفراد بمسكن فليس لها ذلك عند المالكية, إلا إذا أثبتت الضرر من السكن مع الوالدين. وقال الحنابلة: إن كان عاجزا لا يلزمه إجابة طلبها, وإن كان قادرا يلزمه. وقيل لا يلزمه غير ما شرطته عليه.
أهـ
وقال ابن قدامة في المغني:
ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى { أسكنوهن … } ، فإذا وجبت السكنى للمطلَّقة فللتي في صلب النكاح أولى ، قال الله تعالى { وعاشروهن بالمعروف .
ومن المعروف أن يسكنها في مسكن ، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون ، وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع.
والله أعلم .

الأحد، 21 نوفمبر 2010

حكم استخدام اليد اليسرى في الأكل


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامن في أموره كلها، فكان يحب الأكل بيمينه مثلا، وقد جاء الأمر بالأكل باليد اليمنى في الحديث الذي رواه البخاري بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعُمَرَ بنِ أبي سَلَمَةَ، وكان غلاما في حجره: ((يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك))

كما جاء النهي عن استعمال اليد اليسرى في الأكل أيضا، ففي صحيح مسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ وَلاَ يَشْرَبَنَّ بِهَا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا ». قَالَ: وَكَانَ نَافِعٌ يَزِيدُ فِيهَا « وَلاَ يَأْخُذُ بِهَا وَلاَ يُعْطِى بِهَا ». وَفِى رِوَايَةِ أَبِى الطَّاهِرِ « لاَ يَأْكُلَنَّ أَحَدُكُمْ ».

أما اليد اليسرى فإنها تقدم في الأمور التي لا يليق فعلها باليد اليمنى كالاستنجاء مثلا.


وقد اختلف العلماء في الأكل باليد اليسرى، هل هو من المكروهات أو من المحرمات؟ وذلك راجع إلى اختلافهم في الأمر والنهي في الحديثين الشريفين
هل الأمر للوجوب أو للندب؟ وهل النهي للتحريم أو للكراهة؟

فمن العلماء من قال إن الأمر في حديث البخاري للندب والإرشاد، والنهي في حديث مسلم للكراهة وعليه يكون الأكل باليمين من المستحبات وقد قال بهذا الرأي النووي في شرحه على صحيح مسلم، عندما شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لَا تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ فَإِنَّ الشَّيْطَان يَأْكُل بِالشِّمَالِ ) قال:

فيه استحباب الأكل والشرب باليمين وكراهتهما بالشمال ، وقد زاد نافع الأخذ والإعطاء.

وهناك من ذهب إلى أن الأمر للوجوب والنهي للتحريم وعلى هذا فاستعمال اليد اليسرى في الطعام أمر محرم؛ لأن الحديث دليل على وجوب الأكل باليمين للأمر به أيضاً ويزيد هذا الأمر تأكيداً وبيانا : أنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وفعل الشيطان يحرم على الإنسان. وما كان من عمل الشيطان على المسلم تركه واجتنابه قال تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة/90]
وقد نصر هذا القول [وجوب الأكل باليمين] الحافظ ابن حجر العسقلاني ورد قول من قال إن الأمر للاستحباب.
قال:
ويدل على وجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال. أهـ

وقال الحافظ المناوي في فيض القدير:

قال العراقي في شرح الترمذي : حمل أكثر الشافعية الأمر بالأكل والشرب باليمين على الندب، وبه جزم الغزالي والنووي، لكن نص الشافعي في الرسالة وموضع من الأم على الوجوب.

قال ابن حجر وكذا ذكره عنه الصيرفي في شرح الرسالة.أهـ

وعلى القول بالوجوب يكون استعمال اليد اليسرى في تناول الطعام محرما،
وما كان حراما لا يباح إلا للضرورة، لقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام/119]

فأحيانا أحدهم تكون يده اليمنى مكسورة أو مشلولة [معطلة عن العمل] أو لا يستطيع أن يتحكم فيها التحكم الكافي الأمثل فمثل هذا يجوز له الأكل بيده اليسرى للضرورة الحاصلة معه.
والكراهة كذلك مرفوعة على قول من قال بالاستحباب؛ لأن الكراهة تزول بأدنى حاجة.

وهناك من الناس من يمكنه الأكل باليد اليمنى ولكنه يجد أريحية في الأكل باليد اليسرى فمثل هذا عليه أن يعود نفسه الأكل باليد اليمنى وإلا وقع في الإثم الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم.

السبت، 13 نوفمبر 2010

ذبح الأضحية ليلا

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
يبدأ وقت الأضحية بعد صلاة العيد، ورأى المالكية أن يكون الذبح بعد أن يقوم الإمام بذبح أضحيته، فإن لم يذبح اعتبر زمن ذبحه. ورأي الجمهور أرجح وأيسر.
وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.
واختلف العلماء في مسألة الذبح ليلا، فذهب أكثر الفقهاء إلى كراهة الذبح في هذا الوقت، وعند المالكية لا يجوز الذبح ليلاً، فإن فعل فليست أضحية، وهناك من قال بالجواز وعدم الكراهة، والذي نرجحه في هذه المسألة هو جواز الذبح ليلا دون كراهة، حتى الكراهة عند الجمهور تزول عند أدنى حاجة, فعلى هذا يظهر جواز الذبح ليلا، ولا حرج عليكم في الذبح في هذا الوقت.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
أما ليلة عيد الأضحى فليست وقتا للتضحية بلا خلاف، وكذلك الليلة المتأخرة من أيام النحر، وإنما الخلاف في الليلتين أو الليالي المتوسطة بين أيام النحر . فالمالكية يقولون : لا تجزئ التضحية التي تقع في الليلتين المتوسطتين، وهما ليلتا يومي التشريق من غروب الشمس إلى طلوع الفجر . وهذا أحد قولي الحنابلة .
وقال الحنابلة والشافعية :
إن التضحية في الليالي المتوسطة تجزئ مع الكراهة، لأن الذابح قد يخطئ المذبح، وإليه ذهب إسحاق وأبو ثور والجمهور . وهو أصح القولين عند الحنابلة .
واستثنى الشافعية من كراهية التضحية ليلا ما لو كان ذلك لحاجة، كاشتغاله نهارا بما يمنعه من التضحية، أو مصلحة كتيسر الفقراء ليلا، أو سهولة حضورهم . أهـ
وهناك أحاديث جاءت بالمنع من الذبح ليلا ولكنها لم تسلم من الطعن مثل الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس مرفوعا نصه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأضحية ليلا، جاء في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر العسقلاني:
حَدِيثُ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الذَّبْحِ لَيْلًا } .الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ .
وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا، وَفِيهِ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ .أهـ
ومما اعتمدوه في منعهم ما جاء عن الحسن البصري أنه قال :" نهي عن جذاذ الليل، وحصاد الليل، والأضحى بالليل" وحديث البصري كما قال النووي: مرسل أو موقوف.
ومرجع الخلاف بين العلماء عائد إلى"ليالي النحر" هل تدخل مع أيام النحر؟ فمن قال: إنها تدخل أجاز الذبح، ومن قال إنها لا تدخل منع الذبح.
والقرآن الكريم ذكر اليوم بمعنى النهار فقط، وفي مواطن أخرى جاء اليوم بمعنى النهار والليل،
فمن الأول قول تعالى: "وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا" [الحاقة/6، 7] فالآية الكريمة خصصت اليوم بالنهار بدلالة عطفه على الليل.
ومنه قول الحق سبحانه وتعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة/183، 184] ومن المعلوم أن الصوم يستغرق زمن النهار، ولا يكون في الليل.
ومن مجيء اليوم في القرآن مرادا به الليل والنهار، قوله تعالى:" فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ" [هود/65] وإن كان غالب استعمال القرآن أن يأتي اليوم بمعنى النهار.
وفي البيان النبوي جاء اليوم بمعنى النهار فقط، وبمعنى النهار والليلة معا، فمن الأول ما رواه البخارى في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ». فاليوم هنا بمعنى النهار.
ومن مجيء اليوم بمعنى النهار والليلة ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِى مِنْ دَرَنِهِ » فاليوم هنا يشمل صلوات الليل والنهار.
ورجّح فضيلة الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- جواز الذبح ليلا بلا كراهة، لأنه رأى أن الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي.
قال رحمه الله في أحكام الأضحية والذكاة:
والذبح في النهار أفضل، ويجوز في الليل؛ لأن الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي، ولذلك دخلت الليالي في الأيام في الذكر حيث كانت وقتا له كما كان النهار وقتا له، فكذلك تدخل في الذبح فتكون وقتا له كالنهار .
ولا يكره الذبح في الليل؛ لأنه لا دليل على الكراهة، والكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل .
وأما ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح ليلا، فقال في (( التلخيص )) : فيه سليمان بن سلمة الخبائري، وهو متروك
وأما قول بعضهم : يكره الذبح ليلا خروجا من الخلاف؛ فالتعليل ليس حجة شرعية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمبة :
تعليل الأحكام بالخلاف علة باطلة في نفس الأمر، فإن الخلاف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها الأحكام، فإنه وصف حادث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يسلكه من لم يكن عارفا بالأدلة الشرعية في نفس الأمر لطلب الاحتياط . اهـ.
والله أعلم

الاثنين، 1 نوفمبر 2010

صلاة صاحب الأعذار

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فمعلوم أن الصلاة لا تُقبل بغير طهارة من الحدث والنجس، وخروج شيء من السبيلين المعتادين وهما القُبُل والدُّبُر، من بول أو غائط أو ريح يبطل الوضوء.
ودوام خروج الريح، وعدم انقطاعه واستغراقه وقت الفرض على وجه لا يمكن معه الوضوء يجعل صاحبه من ذوي الأعذار. وهذا العذر لا يلزم معه إعادة الوضوء والصلاة فهذه مشقة عظيمة، والله تعالى قد خفف علينا بقوله : "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" [البقرة/185]} وقال تعالى:" فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" [التغابن/16]

ومن القواعد الفقهية التي اعتمد عليها الفقهاء قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) وقد تخرجت على هذه القاعدة الكثير من الرخص والتخفيفات.
و يكفي صاحب العذر أن يتوضأ للصلاة المفروضة ، وينوي استباحة الصلاة لا رفع الحدث، لأن الحدث دائم ، ويتوضأ لكل صلاة في وقتها، ولا يضره ما خرج منه بعد ذلك على رأي الجمهور عدا المالكية. أما المالكية فلا يجب عندهم أن يتوضأ صاحب السلس لكل صلاة بعد دخول وقتها ، ولكن يستحب إذا لم يحصل ناقض آخر. فيجوز عند المالكية أن يتوضأ صاحب العذر قبل دخول وقت الصلاة.
فالجمهور على وجوب تجديد وضوء المعذور، أما المالكية فلا يقولون بالوجوب وإنما باستحباب الوضوء فقط.
وسلس البول , أو استطلاق البطن , أو انفلات الريح من الأحداث الدائمة التي تجعل صاحبها معذورا , فيعامل في وضوئه وعبادته , معاملة خاصة تختلف عن معاملة غيره من الأصحاء , وقد قاس العلماء عبادة صاحب العذر على عبادة المستحاضة، فقد ذكر الحنفية أن المستحاضة , ومن به سلس البول , أو استطلاق البطن , أو انفلات الريح , أو رعاف دائم , أو جرح لا يرقأ , يتوضئون لوقت كل صلاة , لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ" رواه أبو داود والترمذي، وصححه الشيخ الألباني، ويقاس على المستحاضة غيرها من أصحاب الأعذار.
فأصحاب الأعذار لهم أن يتوضئوا لكل صلاة بعد دخول وقتها – على رأي الجمهور- ولهم أن يصلوا بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض, والنوافل, ويبطل الوضوء عند خروج وقت المفروضة , ويبقى الوضوء ما دام الوقت باقيا بشرطين :
1- أن يتوضأ لعذره.

2- وأن لا يطرأ عليه ناقض آخر من نواقض الوضوء.
قال في الإنصاف في شأن المستحاضة: وتتوضأ لوقت كل صلاة إذا خرج شيء بعد الوضوء، فأما إذا لم يخرج شيء فلا تتوضأ على الصحيح من المذهب، جزم به في المغني والشرح وغيرهما. وقدمه في الفروع، ونص عليه فيمن به سلس البول. انتهى.
وقال في الفروع لابن مفلح:

وتتوضأ لكل صلاة إلا ألا يخرج شيء، نص عليه فيمن به سلس البول. وقيل: يجب ولو لم يخرج، وهو ظاهر كلام جماعة. انتهى
وهذا الحكم فيمن كان خروج الناقض منه مستمرا فإن كان يأتي وقت ما ينقطع فيه خروج الناقض، وجب عليه أن يصلي الصلاة في هذا الوقت فإن كان في أول الوقت سارع بالصلاة وإن كان في آخر الوقت أخَّر الصلاة
جاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير من كتب المالكية:
فإن انضبط [أي وقت خروج السلس] بأن جرت عادته أنه ينقطع آخر الوقت وجب عليه تأخير الصلاة لآخره ، أو ينقطع أوله وجب عليه تقديمها .. وكذا إذا قدر على التداوي وجب عليه التداوي ، واغتفر له أيامه .. أهـ
والله أعلم

السبت، 23 أكتوبر 2010

سفر المرأة دون محرم.. رؤية فقهية


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة تنهى عن سفر المرأة بلا محرم، وقد أخذ جمهور العلماء من هذه الأحاديث أن الأصل في سفر المرأة بدون مَحرم هو الحرمة.
من هذه الأحاديث ما رواه الإمام مسلم في صحيحه
بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ».
ومنها ما رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ عَلَيْهَا ».
وفي صحيح مسلم أيضا عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- :« لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إِلاَّ وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوِ ابْنُهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا ».
وفي صحيح مسلم أيضا عَنْ أَبِى مَعْبَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ يَقُولُ: « لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَلاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ ». فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِى خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّى اكْتُتِبْتُ فِى غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: « انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ ».
وقد أخذ العلماء من هذه الأحاديث وغيرها أنَّ الأصل هو حرمة سفر المرأة دون محرم للأحاديث الكثيرة في النهي عن ذلك.
وقد اختلف العلماء في المرأة تحتاج للسفر بلا محرم هل يمكنها السفر أم لا؟
فتمسك كثير من العلماء بحرمة سفرها دون محرم أو زوج، بل وذهب الإمام النووي – رحمه الله- إلى عدم تحديد ذلك السفر بمسافة معينة، فكل ما يطلق عليه أنه سفر يحرم على المرأة أن تسافره دون محرم أو زوج.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم:

[ولم يُرِدْ ‏صلى الله عليه وسلم تحديد أقل ما يسمى سفراً، فالحاصل أنَّ كل ما يسمى سفراً تُنهى ‏عنه المرأة بغير زوج أو محرم….لرواية ابن عباس المطْلَقة، وهي آخر روايات مسلم ‏السابقة: " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً.]
وهناك من العلماء من استثنى صنوفا من النساء أجاز لهن السفر بلا محرم، وهناك من لم يستثن، فقد استثنى المالكية المرأةَ العجوز التي لا تُشتهى، وكذلك سفر المرأة لحج الفريضة في رفقة مأمونة.
جاء في موطأ الإمام مالك:
قَالَ مَالِكٌ فِى الصَّرُورَةِ مِنَ النِّسَاءِ الَّتِى لَمْ تَحُجَّ قَطُّ: إِنَّهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذُو مَحْرَمٍ يَخْرُجُ مَعَهَا أَوْ كَانَ لَهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا أَنَّهَا لاَ تَتْرُكُ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَيْهَا فِى الْحَجِّ لِتَخْرُجْ فِى جَمَاعَةِ النِّسَاءِ.
والإمام مالك روى في موطئه حديث أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخَرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ مِنْهَا ».
والإمام مالك إنما أباح سفر المرأة دون محرم في السفر الواجب على المرأة كالحج دون غيره من السفر المباح والمندوب، وحمل أحاديث نهي المرأة عن السفر دون محرم على السفر المباح أو المندوب، أما السفر الواجب فلا يشترط فيه وجود المحرم.
جاء في مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل ـ من كتب المالكية :
وحمل مالك - رحمه الله - الحديث المتقدم على السفر المباح والمندوب إليه دون الواجب، بدليل إجماعهم على أن المرأة إذا أسلمت في بلد الحرب لزمها الخروج منها إلى بلد الإسلام، وإن لم يكن معها ذو محرم، خلافا لأهل العراق في قولهم : إنَّ فرض الحج يسقط عنها بعدم المحرم .
وقول مالك أصح ؛ لأنه يخصص من عموم الحديث الهجرة من بلد الحرب بالإجماع وحج الفريضة بالقياس على الإجماع، وقال التلمساني في شرح جامع الجلاب، وأما سفر الحج فإنها تسافر مع جماعة النساء إذا لم يكن لها محرم.
قال الأبهري : لأنها لو أسلمت في دار الحرب لوجب عليها أن تخرج من غير ذي محرم إلى دار الإسلام، وكذا إذا أسرت وأمكنها أن تهرب منهم يلزمها أن تخرج من غير ذي محرم، فكذلك يلزمها أن تؤدي كل فرض عليها إذا لم يكن لها ذو محرم من حج أو غيره. انتهى
قال الحافظ في الفتح:
قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت وزاد غيره أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة. انتهى
وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية –قدس الله سره -جواز سفر المرأة دون محرم عند توافر الأمن جاء في الفتاوى الكبرى :
وتحج كل امرأة آمنة مع عدم محرم، قال أبو العباس : وهذا متوجه في سفر كل طاعة. انتهى
وقال ابن مفلح رحمه الله في : "الفروع" من كتب الحنابلة :
" وعند شيخنـا ـ أي : ابن تيمية ـ : تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم . وقال : إن هذا مُتوجِّه في كل سفر طاعة ، كذا قال ـ رحمه الله ـ " أ.هـ
ومن الأحاديث التي يعتمد عليها من أجاز خروج المرأة دون محرم عند وجود الأمن ما رواه البخاري بسنده من حديث إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده أنه قال:أَذِنَ عُمَرُ - رضى الله عنه - لأَزْوَاجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا ، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ . أ.هـ
فمن أباح السفر أخذ من هذا الحديث أن الصاحبين الجليلين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما لم يكونا محرمين لأمهات المؤمنين، وقد سافر الصحابيان الجليلان بهنَّ من غير نكير من باقي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فلا مانع من سفر المرأة مع نسوة ثقات أو وجود الأمن .
قال الحافظ في فتح الباري:
ومن الأدلة على جواز سفر المرأة مع النسوة الثقات إذا أمن الطريق أول أحاديث الباب[1] لاتفاق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي صلى الله عليه و سلم على ذلك، وعدم نكير غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك. أ.هـ
ومن منع سفر المرأة بدون محرم قال: إن هذا كان خصوصية لأمهات المؤمنين، وبهذا أجاب أبو حنيفة في المسألة.
قال العيني في عمدة القاري:
جواب أبي حنيفة لحكام الرازي فإنه قال: سألت أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه هل تسافر المرأة بغير محرم؟ فقال: لا. نهى رسول الله أن تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها زوجها أو ذو محرم منها.
قال حكام: فسألت العرزمي، فقال: لا بأس بذلك حدثني عطاء أن عائشة كانت تسافر بلا محرم فأتيت أبا حنيفة، فأخبرته بذلك، فقال أبو حنيفة: لم يدر العرزمي ما روى، كان الناس لعائشة محرما فمع أيهم سافرت فقد سافرت بمحرم، وليس الناس لغيرها من النساء كذلك.
ولقد أحسن أبو حنيفة في جوابه هذا؛ لأن أزواج النبي كلهن أمهات المؤمنين وهم محارم لهن؛ لأن المحرم من لا يجوز له نكاحها على التأييد، فكذلك أمهات المؤمنين حرام على غير النبي إلى يوم القيامة. أ.هـ
ومحرم المرأة المؤبد يجوز له أن يرى من المرأة ما يظهر عند المهنة غالبا كاليدين والساقين، وهذا لا يجوز في حق أمهات المؤمنين، فهن أمهات في جانب، وأجنبيات في وجه آخر، فمحرمية النكاح على التأبيد في حقِّ أمهات المؤمنين تخالفها في غيرها من نساء الأمة، وتحريم نكاح أمهات المؤمنين مأخوذ من قول الحق سبحانه وتعالى: "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ" [الأحزاب/6]
فأمهات المؤمنين ورد تشبيههن بالأم الحقيقية في أوجه دون أوجه أخرى.

قال الألوسي البغدادي: منزلات منزلة أمهاتهم في تحريم النكاح واستحقاق التعظيم وأما فيما عدا ذلك من النظر إليهن والخلوة بهن وإرثهن ونحو ذلك فهن كالأجنبيات. أ.هـ
ومن الفقهاء المعاصرين الذين ذهبوا إلى جواز سفر المرأة دون محرم عند وجود الأمن الشيخ ابن جرين ـ رحمه الله ـ حيث قال في الفتوى رقم (7286):
فالذي أراه جواز سفر المرأة في الطائرة، لمدة نصف يوم أو ثلثيه، بحيث يوصلها المحرم الأول إلى المطار، ويتصل بالمحرم الثاني ليستقبلها في البلد الثاني، ولا خلوة في الطائرة، والمرأة كسائر الراكبات، وليس هناك مجال للخوف عليها، والاحتمالات التي تقدر نادرة الوجود، والأصل السلامة، وهذا يعم السفر للحج وغيره، وهذا ما ترجح عندي رفقًا بالمسلمين. أ.هـ
ومن الذين أجازوا سفر المرأة من غير محرم عند الأمن ووجود الثقات فضيلة الشيخ القرضاوي ومما قاله بعدما أورد أدلة الجواز:
ونود أن نضيف هنا قاعدتين جليلتين :

أولا: أن الأصل في أحكام العادات والمعاملات هو الالتفات إلى المعاني والمقاصد بخلاف أحكام العبادات، فإن الأصل فيها هو التعبد والامتثال، دون الالتفات إلى المعاني والمقاصد . كما قرر ذلك الإمام الشاطبي ووضحه واستدل له.

ثانيا: إنَّ ما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، أما ما حرم لسد الذريعة فيباح للحاجة . ولا ريب أن سفر المرأة بغير محرم مما حرم سدًا للذريعة.

كما يجب أن نضيف أن السفر في عصرنا، لم يعد كالسفر في الأزمنة الماضية، محفوفًا بالمخاطر لما فيه من اجتياز الفلوات، والتعرض للصوص وقطاع الطرق وغيرهم. بل أصبح السفر بواسطة أدوات نقل تجمع العدد الكثير من الناس في العادة، كالبواخر والطائرات، والسيارات الكبيرة، أو الصغيرة التي تخرج في قوافل .
وهذا يجعل الثقة موفورة، ويطرد من الأنفس الخوف على المرأة؛ لأنها لن تكون وحدها في موطن من المواطن.
ولهذا لا حرج أن تسافر مع توافر هذا الجو الذي يوحي بكل اطمئنان وأمان. [2]أ.هـ
الخلاصة:
الأصل في المسألة هو منع المرأة من السفر دون محرم،
وهذا رأي الجمهور، فإذا كانت المرأة ليست تحت ‏ضرورة ملجئة فعليها إن أرادت السفر أن تكون مع محرم لها أو مع زوج عملا بقول جمهورالعلماء.
أما إن كانت المرأة تحت ضرورة ملجئة، أو تحتاج لهذا السفر لنفع نفسها وبيتها وأسرتها ووطنها، ولا تستطيع أن تتخلى عنه، فيسعها قول من أجاز لها السفر دون محرم بشرط وجود الرفقة المأمونة، ووجود الأمن وانتفاء الريب، وألا تتعرض المرأة للإيذاء والابتذال، وإلا حرم سفرها.
والله أعلم.

الأربعاء، 13 أكتوبر 2010

التدخل الطبي لاختيار جنس الجنين


بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فإن النفوس قد جبلت حب الأولاد، وجعل الله الأولاد من زينة الحياة الدنيا؛ قال تعالى: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ ﴾ [آل عمران:14] وبين سبحانه أن الأولاد سواء أكانوا ذكورا أو إناثا هم هبة منه سبحانه وتعالى، " لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ
* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ"[ الشورى:49-50]

وقد أجاز العلماء تحديد جنس الجنين بالطرق الطبعية ؛ كالنظام الغذائي ، والغسول الكيميائي ، وتحري وقت الإباضة عند الجماع؛ لكونها أسبابًا مباحة لا محذور فيها.

أما تحديد جنس الجنين عن طريق فصل الحيوان المنوي قبل التخصيب فقد اختلف الفقهاء فيها إلى قولين:

القول الأول يذهب إلى الجواز، ومن أبرز من قال بهذا الرأي فضيلة الشيخ القرضاوي والعلامة عبد الله بن بيه، والشيخ القرضاوي قد أجاز لمن للشخص يكون منجبا لنوع من الأولاد ويشتاق للنوع الثاني، فأجاز له الإقدام على هذه العملية؛ لأنه حينئذ يكون ملبيا لحاجة معتبرة عند الزوجين، حيث أباح لمن كان عنده عدد من البنات ويرغب في الذكور أو العكس أن يجري هذه العملية استثناء من الأصل، والأصل عند فضيلته أن تترك الأمور على الفطرة التي تنظم الحياة كما يريد الله سبحانه وتعالى.[1]

ورجَّح الدكتور خالد بن عبد الله المصلح[2] - أستاذ الفقه في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن الأصل في تحديد جنس الجنين الإباحة والجواز؛ لقوة أدلة الجواز، ولعدم قيام دليل يعضد القول بالمنع والتحريم.

وذكر عدة ضوابط لهذا الأمر، هي:

" يمكن إجمال تلك الضوابط المقترحة في: ألا تكون عملية تحديد جنس الجنين سياسة عامة؛ لئلا يفضي إلى اختلال في التوازن الطبعي في نسب الخلق. وأن يقتصر استعمالها على الحاجة. وأن يُتَأكد تمام التأكد من عدم اختلاط المياه المفضي إلى اختلاط الأنساب. كما يجب العمل على حفظ العورات من الهتك، وذلك من خلال قصر الكشف على موضع الحاجة قدرًا وزمانًا. وأن يكون تحديد جنس الجنين بتراضي الوالدين. كما ينبغي ألا يغيب أن هذه الوسائل ما هي إلا أسباب لإدراك المطلوب، وأن الدعاء آكدها وأعظمها تأثيرًا."

القول الثاني يقول بالمنع من إجراء هذه العملية، فلا يجوز التدخل الطبي من أجل تحديد جنس الجنين، وهناك من قال بالحرمة المطلقة، وهناك من قال بالحرمة ولكنه استثنى منها حالة ما إذا كان هناك ضرورة علاجية في الأمراض الوراثية التي تصيب أحد النوعين فيطلب بالتدخل الطبي النوع الآخر.

وأفتى بالمنع سماحة المفتي العام السابق للملكة الأردنية الهاشمية الدكتور نوح علي سلمان، في الفتوى رقم (733) ، وكان مما جاء فيها [بتصرف يسير]:

وفي موضوع اختيار جنس الجنين من خلال عملية أطفال الأنابيب لا توجد هذه الضرورة التي تباح من أجله هذه المحاذير، فالذكر والأنثى كلاهما ولد، تبقى من خلالهما الذرية، وحسبنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ذريته من خلال ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وكراهية البنات من أخلاق الجاهلية التي ندد الله بها في قوله: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ . يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) النحل/58-59)

وكان هذا التكريم للمرأة من مفاخر الشريعة الإسلامية التي لم يدركها غير المسلمين إلا في قرون متـأخرة، وما عملوا بها على وجهها.
والادعاء بأن الرغبة في الأنثى إلى جانب الأبناء الذكور كالرغبة في وجود الابن إلى جانب البنات دعوى غير صحيحة، فلا نلاحظ مشكلة عند من كان نصيبه في الإنجاب الذكور فقط، ولكن نرى الرغبة الشديدة في وجود الابن الذكر لدى من رزق البنات فقط، وهذه الرغبة لا تبرر أن نستبيح المحظورات التي تترتب على عملية أطفال الأنابيب؛ لأن الرغبة في الابن الذكر لا تسمو إلى درجة الرغبة في الإنجاب.
ولذا يرى مجلس الإفتاء ما يلي:
1- أن عملية اختيار جنس الجنين بواسطة أطفال الأنابيب للقادر على الإنجاب من غير هذه الوسيلة لا تجوز، وفي البنات ما يغني عن البنين.
2- غير القادر على الإنجاب إلا من خلال عملية أطفال الأنابيب لا بأس في حقه من عملية اختيار جنس الجنين.

3- وهناك أساليب أخرى لاختيار جنس الجنين تتحدث عنها الأوساط الطبية، ولا تترتب عليها محاذير شرعية، فلا بأس بها، كالنظام الغذائي، والغسول الكيميائي، وتوقيت الجماع، وتناول بعض الأطعمة.

4- اختيار جنس الجنين تفاديًا لأمراض وراثية تصيب الذكور دون الإناث أو العكس، فيجوز عندئذٍ التدخل من أجل الضرورة العلاجية، مع مراعاة الضوابط الشرعية المقررة، وعلى أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبية لا يقل عدد أعضاءها عن ثلاثة من الأطباء العدول، تقدم تقريرًا طبيًّا بالإجماع، يؤكد أن حالة المريضة تستدعي هذا التدخل الطبي خوفاً على صحة الجنين من المرض الوراثي. اهـ

وفي الفتوى رقم(931) جاء المنع أيضا:

تحديد جنس الجنين بالوسائل الطبية المعاصرة من المسائل النوازل التي اجتهد فيها الفقهاء المعاصرون، وكان لمجلس الإفتاء فيها اجتهاد أيضا في القرار رقم: (120) حيث رأى فيه حرمة هذا النوع من العمليات؛ "لأن الأصل في المسلم أن يرضى بقضاء الله وقدره، والرضا بما يرزقه الله من ولد، ذكرا كان أو أنثى، ولما فيه من المحاذير الشرعية، كفتح الباب أمام العبث العلمي بالإنسان، واختلال التوازن بين الجنسين، والتعرض لاختلاط الأنساب، وكشف العورات." اهـ

وممن ذهب إلى المنع أيضا الدكتور محمد بن عبد الجواد النتشة في كتابه المسائل الطبية المستجدة في ضوء الشريعة.[3]
وذهب أ.د/ ناصر عبد الله الميمان أستاذ الدراسات العليا الشرعية بجامعة أم القرى –سابقا إلى أن استخدام الطرق المخبرية لتحديد جنس الجنين إنما يباح بدافع الوقاية من الأمراض الوراثية الخطيرة المرتبطة بالجنس ويمنع فيما عدا ذلك ،ونظراً لما تتضمنه هذه الطرق من ارتكاب محذور -وهو كشف العورة – وما يحتفها من مخاطر وأضرار[4]

و قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة المجمع نوفمبر/2007م منع التدخل الطبي إلا في حال وجود أمراض وراثية، تصيب أحد الجنسين فيُطلب حينئذ انتخاب الجنس الآخر، وإليك نص القرار:

أن الأصلَ في المسلم التسليمُ بقضاءِ الله وقدره، والرضى بما يرزقه الله؛ من ولد ، ذكراً كان أو أنثى، ويحمد الله تعالى على ذلك، فالخيرة فيما يختاره الباري جل وعلا، ولقد جاء في القرآن الكريم ذمُ فعلِ أهلِ الجاهلية من عدم التسليم والرضى بالمولود إذا كان أنثى قال تعالى : ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ )، ولا بأس أن يرغب المرء في الولد ذكراً كان أو أنثى، بدليل أن القرآنَ الكريم أشار إلى دعاء بعض الأنبياء بأن يرزقهم الولدَ الذكرَ، وعلى ضوء ذلك قرر المجمع ما يلي:

أولاً: يجوز اختيارُ جنس الجنين بالطرق الطبعية؛ كالنظام الغذائي، والغسول الكيميائي، وتوقيت الجماع بتحري وقت الإباضة؛ لكونها أسباباً مباحة لا محذور فيها.

ثانياً: لا يجوز أيُ تدخل طبي لاختيار جنس الجنين، إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية، التي تصيب الذكورَ دون الإناث، أو بالعكس، فيجوز حينئذٍ التدخل، بالضوابط الشرعية المقررة، على أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبية مختصة، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العدول، تقدم تقريراً طبياً بالإجماع يؤكد أن حالة المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخل طبي حتى لا يصاب الجنين بالمرض الوراثي، ومن ثم يُعرض هذا التقريرُ على جهةِ الإفتاء المختصة لإصدار ما تراه في ذلك.

ثالثاً: ضرورة إيجاد جهات للرقابة المباشرة والدقيقة على المستشفياتِ والمراكزِ الطبية؛ التي تمارس مثلَ هذه العملياتِ في الدول الإسلامية، لتمنعَ أيَ مخالفة لمضمون هذا القرار. وعلى الجهات المختصة في الدول الإسلامية إصدارُ الأنظمةِ والتعليمات في ذلك. انتهى

فالمجمع الفقهي يذهب إلى عدم جواز التدخل الطبي لتحديد نوع الجنين إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية.

والذي أرجحه في هذا المسألة هو ما انتهى إليه قرار المجمع الفقهي القائل بتحريم التدخل الطبي لفصل الحيوانات المنوية بغية اختيار جنس الجنين، وإباحته في حال وجود أمراض الوراثية؛ لأن في القول بالجواز جملة من المحاذير الشرعية أهمها أنه يفتح الباب أمام اختلال التوازن في المجتمع لأنَّ الغالب على النفس البشرية حب الذكور فيؤدي ذلك إلى الرغبة عن إنجاب الإناث، وإجازة مثل هذه العمليات سيقضي على وجود الإناث في المجتمع، والواقع يشهد لهذا، فقد فرضت الصين عام 1978م سياسة الطفل الواحد على شعبها، فعمدت الأسر إلى اختيار الذكور بشتى الوسائل.

وقد أدى ذلك إلى اختلال نسبة الذكور والإناث في المجتمع حتى وصلت من خمسة إلى ستة ذكور مقابل أنثى واحدة، وهذا خلل اجتماعي كبير يضرب في هندسة بناء المجتمع.

والمسلم يعتقد أن الذكور والإناث هم هبة من الله تعالى، ولا يضير الرجل أن يكون أبا لبنات فقط ويكفي في هذا أن نذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن ذريته إلا من ابنته فاطمة ـ رضي الله عنها، النبي صلى الله عليه وسلم كانت إناثا وهذا يكفي، ثم أن المسلم يطلب من الله صلاح الذرية فالذرية الصالحة هي المرجوة وهي المقصود في دعاء عباد الرحمن" وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ" [الفرقان/74] فالذرية الصالحة هي التي تنفع الإنسان بعد موته سواء أكانت الذرية ذكورا أو إناثا فالعبرة هي صلاح الذرية لا نوع الذرية.

ومن يتضجر من إنجاب الإناث فعليه أن يتذكر أن هؤلاء البنات يكن سترا من النار لمن أحسن إليهن من الآباء، جاء في الحديث المتفق عليه واللفظ إلى الإمام مسلم أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: جَاءَتْنِى امْرَأَةٌ، وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا، فَسَأَلَتْنِى، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِى شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَأَخَذَتْهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا، فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « مَنِ ابْتُلِىَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَىْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ ». وعند البخاري:" « مَنْ يَلِى مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ »

قال الحافظ في الفتح:

في الحديث تأكيد حق البنات لما فيهن من الضعف غالبا عن القيام بمصالح أنفسهن ، بخلاف الذكور لما فيهم من قوة البدن وجزالة الرأي وإمكان التصرف في الأمور المحتاج إليها في أكثر الأحوال .. وقال النووي تبعا لابن بطال : إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهون البنات ، فجاء الشرع بزجرهم عن ذلك ، ورغب في إبقائهن . اهـ

وقال العيني في عمدة القاري :

وفيه [أي في الحديث] أن النفقة على البنات والسعي عليهن من أفضل أعمال البر المنجية من النار. وبوَّب الإمام مسلم في صحيحه بابا بعنوان باب فَضْلِ الإِحْسَانِ إِلَى الْبَنَاتِ. روى فيه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ » فالإحسان إلى البنات والرضا بهن طريق إلى ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة.

قال الحافظ المناوي في فيض القدير :

دخل مصاحبا لي قريبا مني يعني أن ذلك الفعل مما يقرب فاعله إلى درجة من درجات المصطفى صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس : هذا من كرائم الحديث وغرره ا.هـ لذا كان الراجح قرار مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، وعلى من رزقه الله الإناث أن يصبر وأن يحتسب هذا الصبر عند الله، وليستبشر بما أعده الله في الآخرة جزاء إحسانه للبنات.

الخلاصة:

أن اختيار جنس الجنين عن طريق الطرق الطبيعة لا حرج فيه، وأن اختيار جنس الجنين عن طريق التدخل الطبي اختلف الفقهاء فيها ما بين مجيز لمن غلب على ذريته نوع فطلب جنينا من الجنس الآخر، وانتهى قرار مجمع الفقهي بالمنع، إلا في حالة وجود أمراض وراثية تستلزم التدخل الطبي.

والله أعلم.

--------------------------------------------------------------------------------

[1] برنامج الشريعة والحياة حلقة الهندسة الوراثية وعلم الجينات بتاريخ 21-7-2001م

[2] دراسته التي بعنوان بعنوان: رؤية شرعية لتحديد جنس الجنين.

[3] هي في الأصل رسالة الدكتوراه التي قدِّمها لجامعة أم درمان بالسودان.

[4] دراسته التي بعنوان : حكم تحديد جنس الجنين في الشريعة الإسلامية.

الأحد، 10 أكتوبر 2010

عدالة الصحابة

قال تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح/18]
وقال سبحانه وتعالى أيضا فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الأعراف/157
( لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/88-89
( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/100
( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) الفتح/29
( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ . وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر/8-9
هذه الآيات وغيرها من الآيات والأحاديث الشريفة كلها تدل على شيء واحد، وهو فضل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما بالك بأناس شهد الله لهم في كتابه المهيمن على كل الكتب بأنه قد رضي الله عنهم، أي جيل هذا وأي رجال ونساء حملوا هذا التاج على رؤسهم، إنه الفخر ولا مزيد عليه، وإن كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كالتاج فوق رؤس الخلائق فإن أمهات المؤمنين هم درة هذا التاج وزينته، ومن من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة وجوب محبة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيرهم والترضي عنهم، ومحبة آل بيت النبي هي البراءة من النفاق، وآية حب الأنصار براءة من النفاق أيضا بوب الإمام مسلم بابا في صحيحه بعنوان باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ حُبَّ الأَنْصَارِ وَعَلِىٍّ - رضى الله عنهم - مِنَ الإِيمَانِ وَعَلاَمَاتِهِ وَبُغْضَهُمْ مِنْ عَلاَمَاتِ النِّفَاقِ روى فيه بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « آيَةُ الْمُنَافِقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ وَآيَةُ الْمُؤْمِنِ حُبُّ الأَنْصَارِ ».
روى الترمذي عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهم. والحديث صححه الألباني بشواهده، ومنها ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم أنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيباً بماء يدعي خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به -فحث على كتاب الله ورغب فيه- ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.

قال المناوي رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم (عترتي أهل بيتي) قال: يعني إن ائتمرتم بأوامر كتابه، وانتهيتم بنواهيه، واهتديتم بهدي عترتي، واقتديتم بسيرتهم، اهتديتم فلم تضلوا.

قال القرطبي: وهذه الوصية، وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله، وإبرارهم وتوقيرهم، ومحبتهم، وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها. انتهى


ويدخل في آل البيت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ {الأحزاب:33} قال ابن كثير -رحمه الله-: وهذا نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل البيت ههنا، لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا، إما وحده على قول، أو مع غيره على الصحيح.
وقد قال الله تعالى: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى {الشورى: 23}.
فاللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب نبيك وحب آل بيت نبيك وحب أزواج نبيك وحب أصحاب نبيك وحب أتباع نبيك

السبت، 9 أكتوبر 2010

إفراد السبت بالصيام في شوال


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اختلف العلماء في إفراد صوم السبت تطوعا، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية ورواية عن أحمد جواز إفراد صوم السبت بصيام التطوع. وعلى هذا فلا حرج على من صام السبت باعتباره من أيام شوال التي وردها في حقها الفضل والأجر. وتفصيل المسألة فيما يأتي:جاء الحثُّ على صيام ستة أيام من شوال في الحديث الذي رواه الإمام مسلم بسنده المتصل عنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْحَارِثِ الْخَزْرَجِىِّ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ».
وجمهور العلماء على استحباب صوم هذه الأيام المباركة حتى يتم الأجر ويحصل الفضل.وصوم السبت مع غيره من الأيام كالجمعة قبله أو الأحد بعده جائز بلا كراهة؛ لأنه لم يرد نص بالمنع، أمَّا إفراد السبت بصيام التطوع فإنَّ العلماء اختلفوا في هذه المسألة، ومستند الخلاف الحديث الذي رواه أصحاب السنن وأحمد عن عبدِ الله بن بُسْر المازني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَصُومُوا يَوْم السَّبْت إلا فيما افتُرِضَ عليكم»والكلام في هذا الحديث ينصب على سنده ومتنه، أما سنده فمحل خلاف بين العلماء، فالإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة كذَّب هذا الحديث، ومن العلماء من ضعفه، ومنهم من قال بنسخه، ومنهم من حسَّن إسناده.

قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد:

فقال مالك رحمه الله هذا كذب يريد حديث عبد الله بن بسر ذكره عنه أبو داود، قال الترمذي: هو حديث حسن، وقال أبو داود: هذا الحديث منسوخ، وقال النسائي: هو حديث مضطرب، وقال جماعة من أهل العلم: لا تعارض بينه وبين حديث أم سلمة؛ فإن النهي عن صومه إنما هو إفراده، وعلى ذلك ترجم أبو داود، فقال: باب النهي أن يخص يوم السبت بالصوم وحديث صيامه إنما هو مع يوم الأحد، قالوا: ونظير هذا أنه نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده. اهـأما عن متنه، فإن الحديث قد صدِّر بأداة نهي والعلماء على أن النهي هنا ليس للتحريم وإنما نهي للتنزيه،
قال الإمام الطيبي في الكاشف عن حقائق السنن: واتفق الجمهور على أن هذا النهي والنهي عن إفراد الجمعة نهي تنزيه وكراهة لا تحريم. ا.هـ

وقد قسَّم الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله – في مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين " أحوال صيام يوم السبت، وبين حكم كل حالة ـ قال رحمه الله:وليعلم أن صيام يوم السبت له أحوال:الحال الأولى: أن يكون في فرضٍ، كرمضان أَدَاءً، أو قضاءً، وكصيام الكَفَّارَةِ، وبدل هدي التَّمَتُّع، ونحو ذلك؛ فهذا لا بأس به ما لم يخصه بذلك مُعتَقِدًا أن له مزية.الحال الثانية: أن يصوم قبله يوم الجمعة؛ فلا بأس به.الحال الثالثة: أن يُصَادِف صيام أيام مشروعة؛ كأيام البيض، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، وستة أيام من شَوَّال - لمن صام رمضان - وتسع ذي الحجة؛ فلا بأس؛ لأنه لم يصمه لأنه يوم السبت، بل لأنًّه من الأيام التي يُشْرَع صومها.الحال الرابعة: أن يُصادِف عادةً، كعادة من يصوم يومًا وَيُفْطِر يَوْمًا فَيُصَادِف يوم صومِهِ يوم السبت؛ فلا بأس به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين: «إلا رجلاً كان يصوم صوما فليصمه»، وهذا مثله.الحال الخامسة: أن يَخُصَّهُ بصوم تَطَوُّع؛ فيفرده بالصوم؛ فهذا محل النَّهي إن صَحَّ الحديثُ في النهي عَنْهُ ". انتهى.
أما شيخ الإسلام ابن تيمية ـ قدس الله سره ـ فقد رجَّح عدم كراهة إفراد السبت بالصوم تطوعا، قال في الفتاوى الكبرى:ولا يكره إفراد يوم السبت بالصوم ولا يجوز تخصيص صوم أعياد المشركين ولا صوم يوم الجمعة ولا قيام ليلتها.ا.هـوهذا الرأي أيضا رواية عن أحمد ومستند العلماء حديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم يوم السبت والأحد أكثر ما يصوم من الأيام ويقول: إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم ) رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما.قال الأمير الصنعاني في سبل السلام:وعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت، ويوم الأحد، وكان يقول : إنهما يوما عيد للمشركين، وأنا أريد أن أخالفهم } أخرجه النسائي، وصححه ابن خزيمة، وهذا لفظه .

وعن أم سلمة رضي الله عنها { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كان يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد وكان يقول : إنهما يوما عيد للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم } أخرجه النسائي وصححه ابن خزيمة وهذا لفظه فالنهي عن صومه كان أول الأمر حيث كان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب ثم كان آخر أمره صلى الله عليه وسلم مخالفتهم كما صرح به الحديث نفسه، وقيل : بل النهي كان عن إفراده بالصوم إلا إذا صام ما قبله أو ما بعده .وأخرج الترمذي من حديث عائشة قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس } وحديث الكتاب دال على استحباب صوم السبت والأحد مخالفة ؛ لأهل الكتاب وظاهره صوم كل على الانفراد والاجتماع. اهـ


الخلاصة:

الذي نرجحه في هذه المسألة هو جواز إفراد صوم السبت في شهر شوال؛ لأنَّ صيام السبت وافق صيام أيام مشروعة لأنَّ القصد حينئذ هو صيام أيام شوال لا صيام يوم السبت إن صَحَّ الحديثُ في النهي عَنْهُ كما قال ابن عثيمين رحمه الله.
والله أعلم.