بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فمعلوم أن الصلاة لا تُقبل بغير طهارة من الحدث والنجس، وخروج شيء من السبيلين المعتادين وهما القُبُل والدُّبُر، من بول أو غائط أو ريح يبطل الوضوء.
ودوام خروج الريح، وعدم انقطاعه واستغراقه وقت الفرض على وجه لا يمكن معه الوضوء يجعل صاحبه من ذوي الأعذار. وهذا العذر لا يلزم معه إعادة الوضوء والصلاة فهذه مشقة عظيمة، والله تعالى قد خفف علينا بقوله : "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" [البقرة/185]} وقال تعالى:" فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" [التغابن/16]
ومن القواعد الفقهية التي اعتمد عليها الفقهاء قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) وقد تخرجت على هذه القاعدة الكثير من الرخص والتخفيفات.
و يكفي صاحب العذر أن يتوضأ للصلاة المفروضة ، وينوي استباحة الصلاة لا رفع الحدث، لأن الحدث دائم ، ويتوضأ لكل صلاة في وقتها، ولا يضره ما خرج منه بعد ذلك على رأي الجمهور عدا المالكية. أما المالكية فلا يجب عندهم أن يتوضأ صاحب السلس لكل صلاة بعد دخول وقتها ، ولكن يستحب إذا لم يحصل ناقض آخر. فيجوز عند المالكية أن يتوضأ صاحب العذر قبل دخول وقت الصلاة.
فالجمهور على وجوب تجديد وضوء المعذور، أما المالكية فلا يقولون بالوجوب وإنما باستحباب الوضوء فقط.
وسلس البول , أو استطلاق البطن , أو انفلات الريح من الأحداث الدائمة التي تجعل صاحبها معذورا , فيعامل في وضوئه وعبادته , معاملة خاصة تختلف عن معاملة غيره من الأصحاء , وقد قاس العلماء عبادة صاحب العذر على عبادة المستحاضة، فقد ذكر الحنفية أن المستحاضة , ومن به سلس البول , أو استطلاق البطن , أو انفلات الريح , أو رعاف دائم , أو جرح لا يرقأ , يتوضئون لوقت كل صلاة , لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ" رواه أبو داود والترمذي، وصححه الشيخ الألباني، ويقاس على المستحاضة غيرها من أصحاب الأعذار.
فأصحاب الأعذار لهم أن يتوضئوا لكل صلاة بعد دخول وقتها – على رأي الجمهور- ولهم أن يصلوا بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض, والنوافل, ويبطل الوضوء عند خروج وقت المفروضة , ويبقى الوضوء ما دام الوقت باقيا بشرطين :
1- أن يتوضأ لعذره.
2- وأن لا يطرأ عليه ناقض آخر من نواقض الوضوء.
قال في الإنصاف في شأن المستحاضة: وتتوضأ لوقت كل صلاة إذا خرج شيء بعد الوضوء، فأما إذا لم يخرج شيء فلا تتوضأ على الصحيح من المذهب، جزم به في المغني والشرح وغيرهما. وقدمه في الفروع، ونص عليه فيمن به سلس البول. انتهى.
وقال في الفروع لابن مفلح:
وتتوضأ لكل صلاة إلا ألا يخرج شيء، نص عليه فيمن به سلس البول. وقيل: يجب ولو لم يخرج، وهو ظاهر كلام جماعة. انتهى
وهذا الحكم فيمن كان خروج الناقض منه مستمرا فإن كان يأتي وقت ما ينقطع فيه خروج الناقض، وجب عليه أن يصلي الصلاة في هذا الوقت فإن كان في أول الوقت سارع بالصلاة وإن كان في آخر الوقت أخَّر الصلاة
جاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير من كتب المالكية:
فإن انضبط [أي وقت خروج السلس] بأن جرت عادته أنه ينقطع آخر الوقت وجب عليه تأخير الصلاة لآخره ، أو ينقطع أوله وجب عليه تقديمها .. وكذا إذا قدر على التداوي وجب عليه التداوي ، واغتفر له أيامه .. أهـ
والله أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق