
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامن في أموره كلها، فكان يحب الأكل بيمينه مثلا، وقد جاء الأمر بالأكل باليد اليمنى في الحديث الذي رواه البخاري بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعُمَرَ بنِ أبي سَلَمَةَ، وكان غلاما في حجره: ((يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك))
كما جاء النهي عن استعمال اليد اليسرى في الأكل أيضا، ففي صحيح مسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ وَلاَ يَشْرَبَنَّ بِهَا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا ». قَالَ: وَكَانَ نَافِعٌ يَزِيدُ فِيهَا « وَلاَ يَأْخُذُ بِهَا وَلاَ يُعْطِى بِهَا ». وَفِى رِوَايَةِ أَبِى الطَّاهِرِ « لاَ يَأْكُلَنَّ أَحَدُكُمْ ».
أما اليد اليسرى فإنها تقدم في الأمور التي لا يليق فعلها باليد اليمنى كالاستنجاء مثلا.
وقد اختلف العلماء في الأكل باليد اليسرى، هل هو من المكروهات أو من المحرمات؟ وذلك راجع إلى اختلافهم في الأمر والنهي في الحديثين الشريفين
هل الأمر للوجوب أو للندب؟ وهل النهي للتحريم أو للكراهة؟
فمن العلماء من قال إن الأمر في حديث البخاري للندب والإرشاد، والنهي في حديث مسلم للكراهة وعليه يكون الأكل باليمين من المستحبات وقد قال بهذا الرأي النووي في شرحه على صحيح مسلم، عندما شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لَا تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ فَإِنَّ الشَّيْطَان يَأْكُل بِالشِّمَالِ ) قال:
فيه استحباب الأكل والشرب باليمين وكراهتهما بالشمال ، وقد زاد نافع الأخذ والإعطاء.
وهناك من ذهب إلى أن الأمر للوجوب والنهي للتحريم وعلى هذا فاستعمال اليد اليسرى في الطعام أمر محرم؛ لأن الحديث دليل على وجوب الأكل باليمين للأمر به أيضاً ويزيد هذا الأمر تأكيداً وبيانا : أنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وفعل الشيطان يحرم على الإنسان. وما كان من عمل الشيطان على المسلم تركه واجتنابه قال تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة/90]
وقد نصر هذا القول [وجوب الأكل باليمين] الحافظ ابن حجر العسقلاني ورد قول من قال إن الأمر للاستحباب.
قال:
ويدل على وجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال. أهـ
وقال الحافظ المناوي في فيض القدير:
قال العراقي في شرح الترمذي : حمل أكثر الشافعية الأمر بالأكل والشرب باليمين على الندب، وبه جزم الغزالي والنووي، لكن نص الشافعي في الرسالة وموضع من الأم على الوجوب.
قال ابن حجر وكذا ذكره عنه الصيرفي في شرح الرسالة.أهـ
وعلى القول بالوجوب يكون استعمال اليد اليسرى في تناول الطعام محرما،
وما كان حراما لا يباح إلا للضرورة، لقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام/119]
فأحيانا أحدهم تكون يده اليمنى مكسورة أو مشلولة [معطلة عن العمل] أو لا يستطيع أن يتحكم فيها التحكم الكافي الأمثل فمثل هذا يجوز له الأكل بيده اليسرى للضرورة الحاصلة معه.
والكراهة كذلك مرفوعة على قول من قال بالاستحباب؛ لأن الكراهة تزول بأدنى حاجة.
وهناك من الناس من يمكنه الأكل باليد اليمنى ولكنه يجد أريحية في الأكل باليد اليسرى فمثل هذا عليه أن يعود نفسه الأكل باليد اليمنى وإلا وقع في الإثم الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق