الجمعة، 26 أبريل 2013

علماء الدين: فتوى قتل المعارضين السياسيين. باطلة

أثارت فتوى الدكتور محمود شعبان مدرس البلاغة بجامعة الأزهر، والتى طالبت بقتل المعارضين الذين ينشرون فى الأرض الفساد ويحرضون على تخريب البلاد من أعضاء جبهة الإنقاذ، ردود أفعال غاضبة وعاتية فى المؤسسات الدينية ووسائل الإعلام، وإذا كان مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء ورموز القوى والأحزاب السياسية من مختلف التيارات، استنكرت ما جاء فى الفتوى جملة وتفصيلا، فان علماء الدين يؤكدون أن صاحب الفتوى المثيرة للجدل لا تتوافر فيه شروط الاجتهاد فى أمور الدين، وان فتواه باطلة، ويحذرون من اتباع تلك الفتاوى المثيرة للجدل، وفى السطور التالية يكشف علماء الدين عن عصمة الدماء فى الإسلام، وحق ولى الأمر وحده دون غيره من عامة المسلمين فى أمر الإحالة إلى القضاء وإنفاذ القانون والتصدى لحالات الاعتداء وترويع الآمنين.
يقول الدكتور محمد سعدى الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين: أمر الدماء عظيم جدا فى الشريعة الإسلامية، ومن القواعد المستقرة عند علمائنا أن الأصل فى الأشياء هى الحل، والحرمة عارضة لا تثبت إلا بدليل، عدا الفروج والدماء فإن الأصل فيها الحرمة، والإباحة عارضة لا تثبت إلا بموجب، والحكم على الناس بالقتل، وإهدار دمائهم، من صلاحيات القضاة فحسب، وهذا واجبهم الذى لا ينازعهم فيه أحد كائنًا من كان، وليس من حق أى أحد، أو من حق أنصاف المتعلمين، أو المنتسبين إلى العلم، والذين ينقصهم الفقه فى الدين، ليس من صلاحياتهم أن يقيموا أنفسهم قضاة يحكمون على الناس ويهدرون دمائهم، لأنَّ هذا يلزم منه الفساد والفوضى، ويلزم منه حدوث الثَّارات والفتن، وفى هذا من المفاسد الكبيرة والأهوال الشديدة ولا توجد فيها أدنى مصلحة، وكل الدماء معصومة، والحكم بقتل النفس هو حكمٌ شرعى من أحكام ديننا الحنيف له أسبابه وضوابطه وشروطه وموانعه وآثاره، ولا يصح أبدًا مجاوزة الحد فيه، ولا يقوم به إلا القاضى الذى أقامه الحاكم لكى ينظر فى القضايا التى تعرض أمامه، والحكم بإهدار الدماء من أخطر الأحكام فى الشرع، إذ يترتب على هذا الحكم الكثير من الأحكام الشرعية، إلا الدماء التى أهدرها أصحابها لجرائم ارتكبوها، فلا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كما جاء فى الصحيحين: عَنْ عبدالله قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: وَالَّذِى لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ لاَ يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنِّى رَسُولُ الله، إِلاَّ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ: التَّارِكُ الإِسْلاَمَ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ أَوِ الْجَمَاعَةَ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ. واللفظ للإمام مسلم.
وجاءت أحوال أخرى فى الشريعة أوجبت قتل غير هؤلاء الأصناف الثلاثة نذكر منهم على سبيل المثال الجاسوس الذى يدل العدو على المسلمين، وأيضا المرجعية فى تطبيق هذا الحكم على الأفراد هو القاضى الذى يجلس على منصة القضاء، ونصبه الحاكم، وليس هذا الأمر للأفراد أو الجماعات، وإنما هو من عمل الحاكم والذى يقوم به هو القاضى الذى نصبه الحاكم، لأن إقامة الحدود موكولة للحاكم منوطة به لا بغيره، وقد اتفق الفقهاء على أن الذى يقيم الحد هو الإمام أو نائبه، سواء كان الحد حقًّا لله تعالى كحد الزنا، أو لآدمى كحد القذف، لأنه يفتقر إلى الاجتهاد، ولا يؤمن فيه الحيف، فوجب أن يفوض إلى الإمام، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود فى حياته، وكذا خلفاؤه من بعده، ويقوم نائب الإمام فيه مقامه.
ومن الإشكاليات المهمة فى هذا الصدد فقه الدليل وتحقيق مناط الدليل، فمعنا دليل قطعى الثبوت، ولكن الفقه هو فى كيفية الاستدلال به، وكيفية تكييف النازلة والاستدلال بالدليل الصحيح، والجمع بين النصوص المختلفة والترجيح بينهما، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والخاص والعام، والتفرقة بين الأحوال والأشخاص، والتفرقة بين الأزمنة والأمكنة، وقاعدة وجوب الجمع بين الأدلة يتحقق بها سد ذريعة فساد كبير وشر مستطير. وسد الذرائع وإن كان ما يقوله يعتقد الآخر أنه خطأ فى الفكر فإنَّ الكلمة ترد بالكلمة والمقال يرد عليه بمقال، والخطبة يرد عليها بخطبة، والحلقة التليفزيونية يرد عليها بمثلها، وإن كان ما يقوله نابعا عن هوي، أو فكر خاص به، فإنه يرد عليه بما يدفع كلامه ويبطله ويدمغه، ولا يُصار إلى سلاح أو إلى إزهاق دماء معصومة، لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم ورواه البخارى فى صحيحه من حديث ابن عمر: لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِى فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا، أما إذا خرج أحدهم ورفع السلاح وقاتل فإنَّ القوانين فى جميع بلاد العالم قد نظمت طريقة التعامل معه، وكيفية دفعه، لأنه فى هذه الحال يعدُّ مجرمًا خارجًا عن القانون، وليس مواطنًا صالحًا يتمتع بحقوق المواطن، والأمر فى هذا يعود إلى السلطات المختصة لا إلى عامة الأفراد.
وإذا نظرنا إلى المعارضين نجدهم أنهم انقسموا قسمين، قسم يعارض معارضة سلمية وهذا - فقها وقانونًا - لا يُتعرض له بما يؤذيه، وعليه أن يلتزم القوانين المنظمة للعمل السياسي، فهو مواطن له حقوق المواطن كافة وعليه واجبات المواطن، وعلى الدولة أن تقوم بدورها حياله، فتوفر له الحماية المطلوبة والأمن المنشود، لأن الأمن حق شخصى لكل إنسان، وتلتزم به الدولة تجاه رعاياها. القسم الثانى هو من يحمل السلاح ويروع الآمنين ويقطع الطرق، ويعيث فى الأرض فسادًا، فهذا لا يسمى معارضًا إنما الاسم الأليق به والأنسب إلى حاله أن يسمى بلطجيًّا، وينطبق عليه العقوبات التى قررها القانون، وقد حرص المشرع المصرى على تجريم البلطجة بموجب القانون رقم6 لسنة 1998 م، حيث أضاف باباً جديداً (هو الباب السادس عشر) وعنوانه: الترويع والتخويف (البلطجة)، وجاء فى المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 6 لسنة 1998 م: (قانون العقوبات قد اشتمل على نصوص تؤثم بعض الجرائم التى يكون استخدام القوة أو العنف أو التهديد أحد أركانها أو ملحوظاً فى ارتكابها، إلا أنها لم تعد كافية فى حد ذاتها للحد من هذه الظاهرة، إذ هى نصوص مقصورة على أنواع معينة من الجرائم من جهة، ولا تفرض لها العقوبات المناسبة لمواجهة الخطورة الكامنة فى مرتكبيها وردعهم من جهة أخري، فضلاً عن أن تصاعد هذه الظاهرة هو أمر طارئ وغريب على هذا المجتمع المسالم الآمن). والحكم على الناس بالقتل، وإهدار دمائهم، من صلاحيات القضاة فحسب، وهذا واجبهم الذى لا ينازعهم فيه أحد كائنًا من كان، وليس من حق أى أحد، أو من حق أنصاف المتعلمين، أو المنتسبين إلى العلم، والذين ينقصهم الفقه فى الدين، ليس من صلاحياتهم أن يقيموا أنفسهم قضاة يحكمون على الناس ويهدرون دماءهم، لأنَّ هذا يلزم منه الفساد والفوضى، ويلزم منه حدوث الثَّارات والفتن، وفى هذا من المفاسد الكبيرة والأهوال الشديدة ولا توجد فيها أدنى مصلحة.
أما الدكتور أحمد عرفات القاضى أستاذ ورئيس قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة الفيوم فيقول: صاحب فتوى قتل المعارضين، رغم أنه مدرس بجامعة الأزهر، لكنه ليس متخصصًا فى العلوم الشرعية، ويجب تحويله للتحقيق من قبل جامعة الأزهر للقضاء على هذه الظاهرة التى أخشى أن تكون سببًا فى تفشى العنف، كما يجب قصر صعود المنابر للمتخصصين من رجال الأزهر فى العلوم الشرعية حتى لا تكون سببًا فى ظهور فوضى الفتاوى الشاذة التى بدأت تنتشر الآن فى المجتمع بلا ضابط ولا رابط، كما يجب تقييد الفتوى بمصادرها الشرعية وأهل الخبرة والثقة.

  المصدر: الأهرام اليومى بقلم:   جمال عبدالناصر
علماء الدين: فتوى قتل المعارضين السياسيين. باطلة 

 

ماذا نريد من المفتي الجديد؟




بسم الله الرحمن الرحيم
*بداية نستمطر سحائب رضوان الله تعالى على الرجال الذين تقلدوا منصب المفتي فما بدلوا وما غيروا ولم يخشوا في الله لومة لائم، ثم نهنأ المفتي الجديد بتقلده هذه المنصب، ونحن إذ نقدم إليه هذه التهاني والتبريكات بنيله ثقة هيئة كبار العلماء لنذكره بأهمية المسؤولية الملقاة على كاهله وذلك ببذل كل ما في وسعه لأن الناس ينظرون منك الخير الكثير، والآمال معقودة عليه إذ أنه أول مفت قد اختير عن طريق الاقتراع بين العلماء.
* أيها الشيخ الجليل نريد منك الفتوى الوسطية التي توازن بين الثوابت والمتغيرات فلا إفراط ولا تفريط، فالناس في حاجة إلى تبني منهج التيسير والاعتدال في الفتاوى، فالمفتي الحق هو من وسَّع على الناس ما ضاق عليهم دون مساس بالثوابت، وهناك كلمة لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ـ يقول فيها: ألا أخبركم بالفقيه كل الفقيه؟ من لم يوئس الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله، ألا لا خير في علم لا فقه فيه، ولا خير في فقه لا ورع فيه، ولا قراءة ولا تدبر فيها .
* نريد منك ألا تقحم ثوابت الدين في خضم الاختلافات الحزبية، والصراعات المذهبية التي تفرِّق الناس وتشرذمهم ولا تجمعهم، والاتحاد في ديننا واجب، فمن واجبكم السعي الجاد ماديا ومعنويا لتحقيق الوحدة، التي هي فريضة شرعية، وضرورة ملحة لقوة أمتنا.
* نريد منك تفعيلا لدور المفتي ودار الإفتاء في المجتمع، حتى تحقق الفاعلية المجتمعية، والريادة الحضارية، وسبيل هذا الاطلاع على المستجدات في جميع النواحي سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، ودراسة النوازل الفقهية واستنباط الحكم الشرعي المناسب لها عن طريق الموائمة بين فقه الدين وفقه الحياة.
* نريد منك ألا تنتظر المستفتي لكي تبين الحكم الشرعي، ولكن واجبك يحتم عليك هو تبيين الحكم الشرعي للناس سواء سئلت عنه أم لم تسئل عنه، لأن المفتي كما قال سادتنا من أهل العلم قائم مقام النبي، فهو نائب عن النبي في تبليغ أحكام شريعته لأتباع ديانته، وأنهم يبلغون الحق ولا يخشون في الحق لومة لائم، قال تعالى: " الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا" [الأحزاب/39]
* نريد منك أن تكون مفتيا يلتف حوله الجميع، يصلح بين طوائف المجتمع وأحزابه. متصديا للعنف الذي أخذ يطل برأسه يمزق أواصر المجتمع، وذلك عن طريق الاعتصام بالكتاب والسنة فهذا هو سبيل النجاة من المناهج والأفكار الهادمة.

*نريد منك أن تحافظ على هيبة دار الإفتاء وعلى هيبة المفتي في قلوب العباد، وهذا لا يتأتى إلا بالتجرد لله، وعدم الخوف إلا منه سبحانه. والاستقامة على منهج الله والتحرر من الضغوط التي من شأنه أن تفسد العملية الإفتائية وتعكر صفوها، سواء أكانت هذه الضغوط ضغوطا سياسية أو ضغوط مجتمعية فهذا كله من الهوى الذي حرم الله اتباعه، قال تعالى:" ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ  إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا.."  [الجاثية/18، 19]

*نريد منك التراجع عن الخطأ إذا كان، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والحق قديم. والمجتهد لا يخلو حاله من أمرين وهو في كلٍّ مأجور مادام قد سلمت النية.
*نريد منك إصدار ميثاق شرف للإفتاء في الفضائيات، وجمع أهل العلم عليه، حتى تقضي على ظاهرة تضارب الفتاوى، أو الخطأ فيها.
نسأل الله أن يعينك على حمل الأمانة ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

من أثر الصلاة في إصلاح حياتنا الاجتماعية والسياسية.

بسم الله الرحمن الرحيم 

في هذه الأيام التي تمر بها بلادنا الحبيبة ما أحوجنا إلى العودة إلى الله تعالى، قارئين لكتابه متدبرين لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لنعلم ما الذي يخرجنا من ورطات الأمور، وهالني ما يلاقيه من يجتهد في إقامة الصلاة حيث ينادى بهن، ولا سيما من كان من أهل المشي في الظلم ملتمسا نور الله يوم القيامة من استهزاء المستهزئين، وسخرية الساخرين.

  والصلاة لها جانب روحي فهي مما تفرج بها الهموم، وقد أرشدنا الله تعالى أنه عندما تشتد الأمور فعلى المسلم أن يفزع إلى الله ويفر إليه، وأن يستعين بالصلاة، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" [البقرة/153] ، وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم: ولقد كان من عظيم شأنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر صلى . رواه أبو داود.  وهناك حلول مادية أودعها الله في الصلاة يُصلح بها حال الإنسان والمجتمع، لأنَّ الصلاة مدرسة يتربى فيها المسلم على مكارم الأخلاق، ونحن إذا فقهنا الدروس التي في الصلاة وطبقناها في حياتنا لوجدنا فيها حلولا للمشاكل التي نعيشها، ففي الجانب السياسي تعلمنا الصلاة كيف نسوسُ الناس، وكيف نُساسُ، فالناس يختارون إمامهم الذي يرتضونه إماما في صلاتهم لربهم، فإذا اختاروه لم يكن لأحدهم أن يساويه في حركات الصلاة، كما يحرم عليه أن يسبقه في حركات الصلاة، فإن مساواة الإمام مكروهة وسبقه حرام، ففي الحديث المتفق عليه: أنه صلى الله عليه وسلم قال:" إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا"، والصلاة تعلمنا كيف يكون التكامل الإنساني فالمسلم يصلي في جماعة، وهذه الجماعة يجب أن  تكون صفوفها متساوية في الصلاة وعليهم أن يسدوا الخلل، وكان الثابت عنه أنه كان يأمر بتسوية الصفوف فيقول:"استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ". رواه مسلم. والمصلي إذا وجد فرجة في الصف فإنه لا يكون سلبيا بل عليه أن يتخذ إجراء إيجابيا بسدِّ هذه الفرجة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف، ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة. كما أخرجه ابن ماجه والبيهقي وابن حبان، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله. وفي الجانب الاجتماعي تعلمنا الصلاة احترام حقوق الآخرين، فمن يسبق إلى الصف الأول ليس لأحد أن يؤخره عنه، ومن كان أقرأ لكتاب الله فهو المقدم.
       والصلاة تعلم المسلم الالتزام والدقة والانضباط لأنَّ الواجب في الصلاة واجبان: واجب الصلاة نفسها وواجب أدائها في وقتها الذي فرض الله تعالى وبين رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالذي يصلي الصلاة في غير وقتها يكون قد أدى واجبا واحدا وترك الآخر، ويأثم بإجماع المسلمين إن ترك الصلاة حتى ينقضي وقتها دون عذر. وليس لأحد أن يقدمها أو يؤخرها عن وقتها، وليس لأحد أن يزيد في أركانها شيئا ولا أن ينقص شيئا فهي تعلمنا كيف يكون الانضباط والالتزام. وهناك ابتلاءات على المصلي أن يقاومها في الصلاة، وأشق صلاة على
ومن هذه الابتلاءات استهزاء المستهزئين ممن ختم الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم، وقد قال تعالى عن هذا:"وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ  [المائدة/58] فمن لم يعظِّم شعائر الله ولم تسكن تقوى الله في قلبه فإنه يتخذ من الصلاة مادة للاستهزاء، وهؤلاء المستهزئون قد وصفهم الله تعالى بالجنون لأنهم لا عقل لديهم يميز بين صالح الأشياء وفاسدها، وكما قال الرازي: "لو كان لهم عقل كامل لعلموا أن تعظيم الخالق المنعم وخدمته مقرونة بغاية التعظيم لا يكون هزواً ولعباً، بل هو أحسن أعمال العباد وأشرف أفعالهم، ولذلك قال بعض الحكماء : أشرف الحركات الصلاة، وأنفع السكنات الصيام."
والمسلم إذا استشعر هذا في صلاته فإنه يزكي نفسه وتسمو أخلاقه ويصلح حاله، ويعينه الله تعالى، وصدق الله تعالى: "اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ"
والله أعلم.


يريد أن يرتدي الباروكة في العمرة

 سألني أحدهم قائلا:
نويت أداء العمرة ، و أنا أرتدي جزءا من الشعر المستعار يشبه الباروكة على رأسي – فهل يمكن أداء العمرة به – مع العلم أنني لا أخلعه أبدا و لا يمكن لي نفسيا أن أتصور نفسي بدونه؟ و عند قص أو تقصير الشعر فى نهاية العمرة هل أقصره من تحت هذه الباروكة أم ماذا؟؟ وجزاكم الله خيرا

فأجبته قائلا:


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فأيها السائل الكريم هوِّن على نفسك وخفِّف عليها، وارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس، وعن مسألة لبس الباروكة للرجال، فإنه لا يجوز لمن أحرم بالحج أو بالعمرة أن يغطي رأسه فهذا من محظورات الإحرام؛ لأنَّ الإحرام يتطلب عدم تغطية الرأس، وأنك إذا أحرمت بالحج أو العمرة وأنت لابس هذه الباروكة تكون قد ارتكبت محظوراً من محظورات الإحرام، وعليك حينئذ الفدية وهي شاة تذبحها وتوزعها على فقراء الحرم، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام.
  وأيضا هذه الباروكة عائق عند الطهارة؛ لأنها تعد طبقة عازلة أثناء الغُسل, فيجب نزعها أثناء الغُسل وأثناء الوضوء كذلك حتى يصل الماء إلى الرأس.
وأما ما يفعل من حج أو اعتمر ولا شعر له، فإنه يمر الموسى على رأسه استحباباً، ولا يجب عليه ذلك، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، أما إن كان له ثمة شعر فإنه يُقصِّره أو يحلقه.
أما مسألة لبس الباروكة في غير الإحرام فإنَّ في المسألة تفصيل، وذلك لأنَّ لبس الباروكة مبني على حكم وصل الشعر، والوصل من كبائر الذنوب، وقد جاء اللعن في حقِّ النساء، وهو في حق الرجال أوجب، وإنما خصت الأحاديث النساء لأن الغالب وقوع هذا الفعل منهن، فقد ثبت في الصحيح من رواية البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ " ولعن الشيء دليل على تحريمه، وعلل العلماء هذا التحريم لما فيه من تغيير خلق الله، أما إن كانت الباروكة مصنوعة من أشياء صناعية كالألياف مثلا، فإنَّ العلماء قد اختلفوا، فمنهم من حرَّم نظرا للأدلة القاضية بحرمة وصل الشعر، وهناك من أباح نظرا لأنَّ ربط الشعر بالألياف الصناعية لا يُعدُّ وصلا بل هو من الوضع، واللغة العربية تأبى أن تسمي هذا وصلا، وبالتالي لا تنطبق عليه أحكام وصل الشعر- هذا في غير الإحرام بالحج أو بالعمرة.
 والله أعلم.


 

الاثنين، 16 يوليو 2012

من فقه أولويات المسلم في رمضان

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فإن الوقت هو أغلى ما يتملكه الإنسان، وإدارة الوقت واغتنام الفرص هي ما يتميز به الإنسان الناجح، ومن السنن الإلهية في الكون سنة التفضيل مثل تفضيل بعض الأزمنة على بعض، والمسلم دائما يراعى فقه الأولويات، و فقه الأولويات مركب إضافي من كلمتين: أولا الفقه، وهو الفهم مطلقاً. ولا يُقصد بكلمة الفقه المعنى الاصطلاحي الذي هو "العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية"، وإنما هو مطلق الفهم الذي جعله الله شرط بلوغ الخير وتحقق الهدي: "من يُرد الله به خيراً يفقه في الدين". والأولويات، جمع أولى. وأولى في اللغة، أحرى وأجدر ففقه الأولويات هو: "معرفة ما هو أجدر من غيره في التطبيق" وإضاعة الوقت أشد من الموت ـ كما يقول ابن القيم ـ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها.

وقد كان السلف الصالح يحرصون على زيادة أعمالهم الصالحة واستثمار أوقاتهم ، واغتنام ساعات الليل والنهار. قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي. ومن أسباب اغتنام الأوقات التخطيط المسبق للفوز بها، وشهر رمضان منحة ربانية لزيادة الأعمال الصالحة وتكفير الذنوب الماضية فهو شهر صوم نهاره يغفر الله به الذنوب ففي الصحيحين: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، غُفر له ما تقدم من ذنبه" وقيام ليله يغفر الله به الذنوب أيضا فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه) وقيام ليلة القدر أيضا سبب في مغفرة ذنوب العبد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ، غُفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه

والفائز من يدرك جائزة رمضان، والخاسر من يخسر بركة الشهر الكريم، وللفوز بكنز رمضان هناك خريطة لأولويات المسلم في هذا الشهر نذكر شيئا منها في عجالة:

من فقه الأولويات أن يكون المسلم على علم بفقه الصيام وأحكام المفطرات وسنن وآدابه، والعبادات المتعلقة به كزكاة الفطر والاعتكاف والعمرة فالعلم الشرعي هو المصحح للعبادة.

من فقه الأولويات اغتنام شرف الزمان في العبادة فرمضان شهر القرآن وقد كان أمين الوحي جبريل يدارس الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان فعَنْ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي» رواه البخاري. لذا كان من عمل الصحابة والسلف الصلح ترك دروس العلم والإقبال على القرآن قراءة وتدبرا وفهما، وقد كان من عادة إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه أنه يفر من دروس العلم إلى القرآن والعبادة في رمضان. وكان من عادتهم أن يزيدوا أورادهم القرآنية في هذا الشهر.

ورمضان شهر القيام فالمسلمون لا يجتمعون على القيام إلا في هذا الشهر فليكن من أولويات الصائح الحرص على صلاة القيام  رجاء حصول ثوابها.

ورمضان شهر الاعتكاف فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا» رواه البخاري.

ومن فقه الأولويات في هذا الشهر الحرص على إطعام الطعام فبإمكان الواحد أن يتحصل على أجر صيام أكثر من رمضان في وقت واحد وذلك عن طريق إفطار الصائمين فقد جاء في الترمذي وابن ماجه: من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً. وقد كان الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ يَقُولُ : إِنَّمَا هُوَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَإِطْعَامُ الطَّعَام.

ومن فقه الأولويات الحرص على الاشتغال بذكر الله طوال اليوم: قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله تعالى فيها ) رواه الطبراني.

ومن فقه الأولويات كثرة المكث في المسجد والإقلال من مخالطة الناس وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ إِذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسْجِدِ .. وَقَالُوا : نَحْفَظُ صِيَامَنَا !ولا سيما في العشر الأخيرة قال ابن القيّم رحمه الله ( والأفضل في العشر الأخير من رمضان لزوم المسجد فيه والخلوة والإعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والإشتغال بهم, حتى إنه أفضل من تعليمهم العلم وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء.).

ومن فقه الأولويات الحرص على تحصيل ثواب الشهر كاملا واستثمار فضائله من مغفرة للذنوب ، ودعوة الصائم المجابة، وأن أجر الصائم لا يعلمه مقدار إلا الله

ومن فقه الأولويات الحرص على الابتعاد عن كل ما يفسد الأجر والثواب في هذا الشهر، والابتعاد عن مكدرات الصيام من الاشتغال بسفاسف الأمور دون معاليها، أو الوقوع في المنهيات كشهادة الزور والتسمع للكذب والكذابين أو متابعة قنوات الفساد والمجون، وحفظ الجوارح من الآثام لأن الوقوع فيها يضيع أجر الصوم وفي البخاري  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»

والله أعلم.

الاثنين، 28 مايو 2012

التفحيط بالسيارات .. رؤية شريعة


تناقلت وسائل الإعلام صورة بشعة لمصرع شابين وهما يقومان بما يسمى بالتفحيط، وكان عاقبة أمرهما أنهما فقدا حياتهما، وقد ناديت منذ خمس سنين بحرمة هذه العادة السيئة التي انتشرت في ربوع الشباب، فالنفس الإنسانية هي أعز ما يملكه الإنسان عامة والمسلم خاصة، وعلى المسلم أن يستثمر حياته في مرضاة الله وكذلك عليه أن يستثمر موته في مرضاة الله، ودعوة المسلم التقي هي أن ينال الشهادة حتى يحظى بما أعده الله للشهداء مصداقا لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة/111] فالمسلم حياته طاعة وموته طاعة، وإن الخسران المبين هو فقد المسلم لحياته بسبب لعبة محرمة، فاللهم أحينا على طاعتك وتوفنا على طاعتك وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. وأكرر الآن ما قلته سابقا في حرمة التفحيط ليت قومي يعلمون
: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: يقصد بالتفحيط هو ما يقوم به قائد السيارة من ألعاب بهلوانية بالسيارة، وقد ينتهي الأمر بأن يقوم قائد السيارة بقتل نفسه أو قتل غيره بسبب هذه الألعاب الخطرة التي يتعمدها، أو إصابة نفسه أو إصابة غيره، أو إحداث أضرار مادية بما يمتلكه هو أو ما يمتلكه الآخرون. والتفحيط من الأمور المحرمة شرعا، وذلك لما قد يترتب عليه من قتل للنفس وقد قال تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) أو قتل للغير بغير حقٍّ، وقد قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ). كما يحرم إلحاق الأذى بالنفس أو بالغير، قال تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَىالتَّهْلُكَةِ) فإلقاء الأيدي إلى التهلكة يشمل كل ما فيه إهلاك للروح والدين، وكل ما يستوجب عذاب الله يوم القيامة. كما جاء في الحديث الذي أخرجه أخرجه الإمام مالك في الموطأ،والدارقطني،وصحَّحه الحاكم على شرط الإمام مسلم:" لا ضرر ولا ضرار". كما يحرم تعمد إتلاف السيارة وإلحاق الضرر بها، وذلك لأن السيارة نعمة من النعم التي أنعم الله بها على عباده قال تعالى: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) . 

والنعمة تقابل بشكر المُنعم وصيانتها، ولا تقابل بتعمد إتلافها والإضرار بها. كما أنَّ إتلاف السيارة بهذا التفحيط إتلاف للمال الذي اشتريت به السيارة، وقد بوَّب الإمام البخاري باباً في صحيحه بعنوان بَاب مَا يُنْهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى{ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ }وَ{ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } روى فيه عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ." والمسلم مسئول أيضًا عن ماله فيما اكتسبه وأين أنفقه كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي في سننه عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ." 

وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء ما نصه : 
( التفحيط ظاهرة سيئة .. يقوم بارتكابها بعض الشباب الهابطين في تفكيرهم وسلوكهم .. نتيجة لقصورٍ في تربيتهم وتوجيههم ، وإهمالٍ من قبل أولياء أمورهم ، وهذا الفعل محرم شرعا، نظراً لما يترتب على ارتكابه من قتلٍ للأنفس وإتلافٍ للأموال وإزعاجٍ للآخرين وتعطيلٍ لحركة السير) . 
والله أعلم.

 * ملحوظة كان النشر الأول لهذه الفتوى في 19-فبراير 2007 على موقع إسلام أون لاين 


الثلاثاء، 22 مايو 2012

يطاقات التخفيض رؤية شرعية


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فبطاقة التخفيض مدفوعة الثمن هي بطاقة يشتريها العميل لكي يتمتع بخصم محدد من أسعار السلع أو الخدمات التي يشتريها، وفي واقعة السؤال نجد أنها بطاقة ثنائية أي بين المتجر والعميل، وهدف هذه البطاقة إيجاد رغبة الشراء عند العميل، وأيضا تحصيل عائد مادي متمثل في قيمة البطاقة التي اشتراها العميل. ومن فوائدها للمتجر أيضا استقطاب عملاء جدد، ودعم العلاقات التجارية بين مقدم البطاقة والمستفيد منها، أما بالنسبة للعميل فإنها ستوفر له السلعة بثمن منخفض، وهذا من المقاصد المعتبرة في العملية الشرائية.
وبطاقة التخفيض مدفوعة الثمن لم تسلم من المحاذير الشرعية التي تقضي بحرمة التعامل بها، ومن هذه المحاذير الشرعية:
المخاطرة: فمن يشتري البطاقة لا يدري حاله هل هو من أصحاب الغنم أو من أهل الغرم؟ فقد يستفيد بالبطاقة ويحصل على كل التخفيضات المقررة عليها فيكون من أهل الغنم، وقد يفوته شيء فيكون من أهل الغرم، وتتفاوت حاله بين الغنم والغرم على قدر انتفاعه من البطاقة، وهذا عين ميسر القمار، وَالتَّمْلِيكَاتُ لاَ تَحْتَمِل هذه المعاملة ، لأَِدَائِهِا إِلَى مَعْنَى الْقِمَارِ، وسمي القمار قمارا لأنَّ كلَّ واحد من المقامرين يجوز أن يذهب ماله لصاحبه ويجوز أن يأخذ مال صاحبه، وقد حرمته الشريعة الغراء، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة/90]
الغرر : حيث إن المستفيد من هذه البطاقة قد قام بشراء البطاقة بغية الحصول على تخفيض في ثمن السلع التي سيقوم بشرائها في المستقبل أو في ثمن الخدمات، وقيمة التخفيض مجهولة، فمصدر البطاقة ومن اشتراها كلاهما لا يعلم مقدار الخصم الذي سيقدمه هذا إلى ذاك، وقد يحدث أن يمنع مانع صاحب البطاقة من الشراء، وقد يشتري شيئا قليلا أو كثيرا، فهنا جهل تام بعين المبيع، إذ لا يعلم حقيقة قدر ما سيشتريه صاحب البطاقة وقدر ما سيبيعه مقدّم البطاقة فهذا كله يجعل المعاملة فاسدة لما فيها من الغرر والجهل، وقد أتت الشريعة بتحريم الغرر في عقود المعاوضات، فقد جاء في حديث مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-َعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ.
أكل أموال الناس بالباطل: فإن مقدم الخدمة قد جنى مالا دون أن يقدم سلعة أو خدمة لهذا المال الذي أخذه، فمن اشترى البطاقة قدّم ثمنا دون أن يأخذ مثمنا، وهذا من أكل أموال الناس بالباطل، وقد قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ"  [النساء/29] وقد يقع مشتري البطاقة في الإسراف المنهي عنه شرعا وذلك عندما يضطر لشراء أي سلع لا يريدها حتى لا تضيع عليه البطاقة.
وقد انتهى المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، في دورته الثامنة عشرة إلى قرار بتحريم التعامل بهذه البطاقات ، ومما جاء فيه : " بعد الاستماع إلى الأبْحاثِ المقدَّمة في الموضوع والمناقشات المستفيضة قرَّر : أولاً: عدم جواز إصدار بطاقات التخفيض المذكورة أو شرائها إذا كانت مقابل ثمن مقطوع أو اشتراك سنوي؛ لما فيها من الغرر؛ فإن مشتري البطاقة يدفع مالاً ولا يعرف ما سيحصل عليه مقابل ذلك؛ فالغرم فيها متحقق يقابله غنم محتمل، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه.
ثانياً: إذا كانت بطاقات التخفيض تصدر بالمجان من غير مقابل، فإن إصدارها وقبولها جائز شرعاً؛ لأنه من باب الوعد بالتبرع أو الهبة. ا.هـ
الخلاصة:
أن بطاقة التخفيض مدفوعة الثمن يحرم التعامل بها، أما بطاقة التخفيض المجانية فلا حرج من التعامل بها.
والله أعلم.