الجمعة، 26 أبريل 2013

علماء الدين: فتوى قتل المعارضين السياسيين. باطلة

أثارت فتوى الدكتور محمود شعبان مدرس البلاغة بجامعة الأزهر، والتى طالبت بقتل المعارضين الذين ينشرون فى الأرض الفساد ويحرضون على تخريب البلاد من أعضاء جبهة الإنقاذ، ردود أفعال غاضبة وعاتية فى المؤسسات الدينية ووسائل الإعلام، وإذا كان مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء ورموز القوى والأحزاب السياسية من مختلف التيارات، استنكرت ما جاء فى الفتوى جملة وتفصيلا، فان علماء الدين يؤكدون أن صاحب الفتوى المثيرة للجدل لا تتوافر فيه شروط الاجتهاد فى أمور الدين، وان فتواه باطلة، ويحذرون من اتباع تلك الفتاوى المثيرة للجدل، وفى السطور التالية يكشف علماء الدين عن عصمة الدماء فى الإسلام، وحق ولى الأمر وحده دون غيره من عامة المسلمين فى أمر الإحالة إلى القضاء وإنفاذ القانون والتصدى لحالات الاعتداء وترويع الآمنين.
يقول الدكتور محمد سعدى الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين: أمر الدماء عظيم جدا فى الشريعة الإسلامية، ومن القواعد المستقرة عند علمائنا أن الأصل فى الأشياء هى الحل، والحرمة عارضة لا تثبت إلا بدليل، عدا الفروج والدماء فإن الأصل فيها الحرمة، والإباحة عارضة لا تثبت إلا بموجب، والحكم على الناس بالقتل، وإهدار دمائهم، من صلاحيات القضاة فحسب، وهذا واجبهم الذى لا ينازعهم فيه أحد كائنًا من كان، وليس من حق أى أحد، أو من حق أنصاف المتعلمين، أو المنتسبين إلى العلم، والذين ينقصهم الفقه فى الدين، ليس من صلاحياتهم أن يقيموا أنفسهم قضاة يحكمون على الناس ويهدرون دمائهم، لأنَّ هذا يلزم منه الفساد والفوضى، ويلزم منه حدوث الثَّارات والفتن، وفى هذا من المفاسد الكبيرة والأهوال الشديدة ولا توجد فيها أدنى مصلحة، وكل الدماء معصومة، والحكم بقتل النفس هو حكمٌ شرعى من أحكام ديننا الحنيف له أسبابه وضوابطه وشروطه وموانعه وآثاره، ولا يصح أبدًا مجاوزة الحد فيه، ولا يقوم به إلا القاضى الذى أقامه الحاكم لكى ينظر فى القضايا التى تعرض أمامه، والحكم بإهدار الدماء من أخطر الأحكام فى الشرع، إذ يترتب على هذا الحكم الكثير من الأحكام الشرعية، إلا الدماء التى أهدرها أصحابها لجرائم ارتكبوها، فلا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كما جاء فى الصحيحين: عَنْ عبدالله قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: وَالَّذِى لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ لاَ يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنِّى رَسُولُ الله، إِلاَّ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ: التَّارِكُ الإِسْلاَمَ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ أَوِ الْجَمَاعَةَ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ. واللفظ للإمام مسلم.
وجاءت أحوال أخرى فى الشريعة أوجبت قتل غير هؤلاء الأصناف الثلاثة نذكر منهم على سبيل المثال الجاسوس الذى يدل العدو على المسلمين، وأيضا المرجعية فى تطبيق هذا الحكم على الأفراد هو القاضى الذى يجلس على منصة القضاء، ونصبه الحاكم، وليس هذا الأمر للأفراد أو الجماعات، وإنما هو من عمل الحاكم والذى يقوم به هو القاضى الذى نصبه الحاكم، لأن إقامة الحدود موكولة للحاكم منوطة به لا بغيره، وقد اتفق الفقهاء على أن الذى يقيم الحد هو الإمام أو نائبه، سواء كان الحد حقًّا لله تعالى كحد الزنا، أو لآدمى كحد القذف، لأنه يفتقر إلى الاجتهاد، ولا يؤمن فيه الحيف، فوجب أن يفوض إلى الإمام، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود فى حياته، وكذا خلفاؤه من بعده، ويقوم نائب الإمام فيه مقامه.
ومن الإشكاليات المهمة فى هذا الصدد فقه الدليل وتحقيق مناط الدليل، فمعنا دليل قطعى الثبوت، ولكن الفقه هو فى كيفية الاستدلال به، وكيفية تكييف النازلة والاستدلال بالدليل الصحيح، والجمع بين النصوص المختلفة والترجيح بينهما، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والخاص والعام، والتفرقة بين الأحوال والأشخاص، والتفرقة بين الأزمنة والأمكنة، وقاعدة وجوب الجمع بين الأدلة يتحقق بها سد ذريعة فساد كبير وشر مستطير. وسد الذرائع وإن كان ما يقوله يعتقد الآخر أنه خطأ فى الفكر فإنَّ الكلمة ترد بالكلمة والمقال يرد عليه بمقال، والخطبة يرد عليها بخطبة، والحلقة التليفزيونية يرد عليها بمثلها، وإن كان ما يقوله نابعا عن هوي، أو فكر خاص به، فإنه يرد عليه بما يدفع كلامه ويبطله ويدمغه، ولا يُصار إلى سلاح أو إلى إزهاق دماء معصومة، لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم ورواه البخارى فى صحيحه من حديث ابن عمر: لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِى فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا، أما إذا خرج أحدهم ورفع السلاح وقاتل فإنَّ القوانين فى جميع بلاد العالم قد نظمت طريقة التعامل معه، وكيفية دفعه، لأنه فى هذه الحال يعدُّ مجرمًا خارجًا عن القانون، وليس مواطنًا صالحًا يتمتع بحقوق المواطن، والأمر فى هذا يعود إلى السلطات المختصة لا إلى عامة الأفراد.
وإذا نظرنا إلى المعارضين نجدهم أنهم انقسموا قسمين، قسم يعارض معارضة سلمية وهذا - فقها وقانونًا - لا يُتعرض له بما يؤذيه، وعليه أن يلتزم القوانين المنظمة للعمل السياسي، فهو مواطن له حقوق المواطن كافة وعليه واجبات المواطن، وعلى الدولة أن تقوم بدورها حياله، فتوفر له الحماية المطلوبة والأمن المنشود، لأن الأمن حق شخصى لكل إنسان، وتلتزم به الدولة تجاه رعاياها. القسم الثانى هو من يحمل السلاح ويروع الآمنين ويقطع الطرق، ويعيث فى الأرض فسادًا، فهذا لا يسمى معارضًا إنما الاسم الأليق به والأنسب إلى حاله أن يسمى بلطجيًّا، وينطبق عليه العقوبات التى قررها القانون، وقد حرص المشرع المصرى على تجريم البلطجة بموجب القانون رقم6 لسنة 1998 م، حيث أضاف باباً جديداً (هو الباب السادس عشر) وعنوانه: الترويع والتخويف (البلطجة)، وجاء فى المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 6 لسنة 1998 م: (قانون العقوبات قد اشتمل على نصوص تؤثم بعض الجرائم التى يكون استخدام القوة أو العنف أو التهديد أحد أركانها أو ملحوظاً فى ارتكابها، إلا أنها لم تعد كافية فى حد ذاتها للحد من هذه الظاهرة، إذ هى نصوص مقصورة على أنواع معينة من الجرائم من جهة، ولا تفرض لها العقوبات المناسبة لمواجهة الخطورة الكامنة فى مرتكبيها وردعهم من جهة أخري، فضلاً عن أن تصاعد هذه الظاهرة هو أمر طارئ وغريب على هذا المجتمع المسالم الآمن). والحكم على الناس بالقتل، وإهدار دمائهم، من صلاحيات القضاة فحسب، وهذا واجبهم الذى لا ينازعهم فيه أحد كائنًا من كان، وليس من حق أى أحد، أو من حق أنصاف المتعلمين، أو المنتسبين إلى العلم، والذين ينقصهم الفقه فى الدين، ليس من صلاحياتهم أن يقيموا أنفسهم قضاة يحكمون على الناس ويهدرون دماءهم، لأنَّ هذا يلزم منه الفساد والفوضى، ويلزم منه حدوث الثَّارات والفتن، وفى هذا من المفاسد الكبيرة والأهوال الشديدة ولا توجد فيها أدنى مصلحة.
أما الدكتور أحمد عرفات القاضى أستاذ ورئيس قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة الفيوم فيقول: صاحب فتوى قتل المعارضين، رغم أنه مدرس بجامعة الأزهر، لكنه ليس متخصصًا فى العلوم الشرعية، ويجب تحويله للتحقيق من قبل جامعة الأزهر للقضاء على هذه الظاهرة التى أخشى أن تكون سببًا فى تفشى العنف، كما يجب قصر صعود المنابر للمتخصصين من رجال الأزهر فى العلوم الشرعية حتى لا تكون سببًا فى ظهور فوضى الفتاوى الشاذة التى بدأت تنتشر الآن فى المجتمع بلا ضابط ولا رابط، كما يجب تقييد الفتوى بمصادرها الشرعية وأهل الخبرة والثقة.

  المصدر: الأهرام اليومى بقلم:   جمال عبدالناصر
علماء الدين: فتوى قتل المعارضين السياسيين. باطلة 

 

ليست هناك تعليقات: