بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على
رسول الله وبعد:
فإن الوقت هو أغلى ما
يتملكه الإنسان، وإدارة الوقت واغتنام الفرص هي ما يتميز به الإنسان الناجح، ومن
السنن الإلهية في الكون سنة التفضيل مثل تفضيل بعض الأزمنة على بعض، والمسلم دائما
يراعى فقه الأولويات، و فقه الأولويات مركب إضافي من كلمتين: أولا الفقه، وهو الفهم مطلقاً. ولا يُقصد بكلمة الفقه المعنى الاصطلاحي الذي هو "العلم بالأحكام الشرعية
العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية"،
وإنما هو مطلق الفهم الذي جعله الله شرط بلوغ
الخير وتحقق
الهدي: "من يُرد الله به خيراً يفقه في الدين".
والأولويات، جمع أولى. وأولى في اللغة، أحرى وأجدر ففقه الأولويات هو: "معرفة ما هو أجدر من غيره في
التطبيق" وإضاعة الوقت أشد من الموت ـ كما يقول ابن القيم ـ لأن إضاعة الوقت
تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها.
وقد كان السلف الصالح
يحرصون على زيادة أعمالهم الصالحة واستثمار أوقاتهم ، واغتنام ساعات الليل
والنهار. قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما ندمت على
شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد
فيه عملي. ومن
أسباب اغتنام الأوقات التخطيط المسبق للفوز بها، وشهر رمضان منحة ربانية لزيادة
الأعمال الصالحة وتكفير الذنوب الماضية فهو شهر صوم نهاره يغفر الله به الذنوب ففي
الصحيحين: "من
صام رمضان إيمانا واحتسابا ، غُفر له ما تقدم من ذنبه" وقيام ليله يغفر الله
به الذنوب أيضا فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه) وقيام ليلة القدر أيضا سبب في مغفرة ذنوب العبد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : ( من قام ليلة القدر
إيماناً واحتساباً ، غُفر له ما تقدم من ذنبه)
متفق عليه
والفائز
من يدرك جائزة رمضان، والخاسر من يخسر بركة الشهر الكريم، وللفوز بكنز رمضان هناك
خريطة لأولويات المسلم في هذا الشهر نذكر شيئا منها في عجالة:
من فقه الأولويات أن يكون
المسلم على علم بفقه الصيام وأحكام المفطرات وسنن وآدابه، والعبادات المتعلقة به
كزكاة الفطر والاعتكاف والعمرة فالعلم الشرعي هو المصحح للعبادة.
من فقه الأولويات اغتنام
شرف الزمان في العبادة فرمضان شهر القرآن وقد كان أمين الوحي جبريل يدارس الرسول
صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان فعَنْ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ:
أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ جِبْرِيلَ
كَانَ يُعَارِضُنِي بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ
مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي» رواه البخاري. لذا كان من عمل الصحابة والسلف الصلح ترك دروس
العلم والإقبال على القرآن قراءة وتدبرا وفهما، وقد كان من عادة إمام دار الهجرة
مالك بن أنس رضي الله عنه أنه يفر من دروس العلم إلى القرآن والعبادة في رمضان. وكان
من عادتهم أن يزيدوا أورادهم القرآنية في هذا الشهر.
ورمضان شهر القيام
فالمسلمون لا يجتمعون على القيام إلا في هذا الشهر فليكن من أولويات الصائح الحرص
على صلاة القيام رجاء حصول ثوابها.
ورمضان شهر الاعتكاف فعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا
كَانَ العَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا» رواه البخاري.
ومن فقه الأولويات في هذا
الشهر الحرص على إطعام الطعام فبإمكان الواحد أن يتحصل على أجر صيام أكثر من رمضان
في وقت واحد وذلك عن طريق إفطار الصائمين فقد جاء في
الترمذي
وابن ماجه: من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً.
وقد كان الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ
يَقُولُ : إِنَّمَا هُوَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَإِطْعَامُ الطَّعَام.
ومن فقه الأولويات الحرص
على الاشتغال بذكر الله طوال اليوم: قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ليس يتحسر أهل
الجنة إلا على ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله تعالى فيها ) رواه الطبراني.
ومن فقه الأولويات كثرة
المكث في المسجد والإقلال من مخالطة الناس وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ إِذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسْجِدِ
.. وَقَالُوا : نَحْفَظُ صِيَامَنَا !ولا سيما في العشر
الأخيرة قال ابن القيّم رحمه الله ( والأفضل في العشر الأخير
من رمضان لزوم المسجد فيه والخلوة والإعتكاف دون
التصدي
لمخالطة الناس والإشتغال بهم, حتى إنه أفضل من تعليمهم العلم
وإقرائهم
القرآن عند كثير من العلماء.).
ومن فقه الأولويات الحرص
على تحصيل ثواب الشهر كاملا واستثمار فضائله من مغفرة للذنوب ، ودعوة الصائم
المجابة، وأن أجر الصائم لا يعلمه مقدار إلا الله
ومن فقه الأولويات الحرص
على الابتعاد عن كل ما يفسد الأجر والثواب في هذا الشهر، والابتعاد عن مكدرات
الصيام من الاشتغال بسفاسف الأمور دون معاليها، أو الوقوع في المنهيات كشهادة
الزور والتسمع للكذب والكذابين أو متابعة قنوات الفساد والمجون، وحفظ الجوارح من
الآثام لأن الوقوع فيها يضيع أجر الصوم وفي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ
الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ
وَشَرَابَهُ»
والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق