بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على
رسول الله وبعد:
فإن مسألة تربية الأطفال وتأديبهم، ولا
سيما البنات منهن من الأمور التي لا يتسع المقام لبسط الكلام فيها، ولكن نذكر
ضابطا عاما معينا في هذا المقام، وهو ما دلنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم من
حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله رفيق يجب
الرفق في الأمر كله. وفي رواية : إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا
يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه. ، وعنها رضي الله عنها أنه صلى الله عليه
وسلم قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه. رواه
مسلم. وقال أيضاً: ومن يحرم الرفق يحرم الخير كله. رواه مسلم عن جرير بن عبد الله
البجلي رضي الله عنه. وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لأشج عبد القيس: إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة. "والأناة :
التثبت وترك العجلة".
فتربية النشء تحتاج من المربي إلى الرفق
وإلى الحلم والأناة، وأيضا الحكمة، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه، فقد يضطر
أحيانا إلى التعنيف ولكن التعنيف الذي يقوي لا التعنيف الذي يهدم، وفي هذا يقول
الشاعر العربي الحكيم:
فَقَسا لِيزدَجِروا وَمَن يَكُ
حازِماً فَليَقسُ أَحياناً وَحيناً
يَرحَمُ
وفي ضوء القسوة المطلوبة من المربي
الحكيم الرحيم نستطيع أن نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم
بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر". رواه أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي
الله عنهما بإسناد صحيح.
والضرب المقصود في الحديث ليس الضرب الذي
يشوه أو يكسر أو يهين بل الضرب الخفيف الذي يقوِّم السلوك وينفع لا الضرب المبرح
وسئل الإمام أحمد عما يجوز فيه ضرب
الولد؟ قال: يضرب على الأدب. وقال أيضاً: اليتيم يؤدب، والصغير يضرب ضرباً خفيفاً.
وسئل عن ضرب المعلم الصبيان؟ فقال: على قدر ذنوبهم، ويتوقى بجهده الضرب، وإن كان
صغيراً لا يعقل فلا يضربه. وذكر ابن الجوزي أن الولد إذا احتيج إلى الضرب ضرب
ضرباً غير مبرح. ولا سيما أن العقاب البدني المؤذي يفسد أكثر مما يصلح، وفساده
يكون في ضعف الشخصية أو الاستمرار في العناد ويولد الكراهية ويدعو للجنوح لذا وجب
على المربي أن يتجنب العقاب البدني المؤذي. وإذا احتاج للعقاب البدني فليكون عقابا
خفيفا غرضه عدم تكرار السلوك المعيب، وأن يقتنع الطفل بأنه وقع في خطأ لذا فهو يعاقب.
على أن الأمور لو كانت تعالج بالرفق
لتعين الرفق طريقا للعلاج، وإذا تعين الضرب الخفيف طريقا للعلاج كانت الحكمة في
استعماله، فالحكمة هي وضع الشيء في موضعه دون إفراط أو تفريط، وننبه على أمر يجب
على المربي أن يتحلى به وهو الحلم وعدم الغضب من التصرف الذي يعالجه لأن الغضب
يعمي ويصم، والغضب غشاوة تغطي العقل وتدعو صاحبها للانتقام لا المعالجة، فيتحول
الأمر من التأديب إلى الانتقام وهذا يأتي بخلاف المقصود من التربية، وقد ينتهي
الأمر إلى الفوضى المفسدة لذا وجب علينا أن نحذر من الغضب.
والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق