الأحد، 28 نوفمبر 2010

تحية المسجد والإمام يخطب


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فتحية المسجد عامة فضيلة وليست واجبة، وصلاة تحية المسجد والإمام يخطب من المسائل الخلافية فهناك من أجازها للحديث الذي رواه الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس، فقال له: يا سليك، قم فاركع ركعتين، وتجوَّز فيهما. ثم قال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما. واللفظ للإمام مسلم.
وقد منعها المالكية وقالوا إن الحديث منسوخ، قال خليل : ومنع نفل وقت طلوع شمس وغروبها وخطبة جمعة،
و جاء في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني من كتب المالكية :
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ وَلَوْ لِلدَّاخِلِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَمُقَابِلُهُ جَوَازُ إحْرَامِهِ وَلَوْ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ ، وَعَلَيْهِ السُّيُورِيُّ مِنْ عُلَمَائِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا قَائِلًا : الرُّكُوعُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ : { أَنَّ سُلَيْكًا الْغَطَفَانِيَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَصَلَّيْت ؟ فَقَالَ : لَا ، فَقَالَ : قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزْ فِيهِمَا } وَلِخَبَرِ : { إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ يَجْلِسُ } .
وَدَلِيلُنَا:
مَا فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ : { أَنَّ رَجُلًا تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ : اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت } فَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ دُونَ الرُّكُوعِ ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَخَبَر: {إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت} نَهْيٌ عَنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ وُجُوبِهِ ، فَالْمَنْدُوبُ أَوْلَى ، وَأَمَّا خَبَرُ سُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ وَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِالرُّكُوعِ لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَيُحْتَمَلُ نَسْخُهُ بِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ مُعَارَضَتِهِ وَعَدَمِ نَسْخِهِ فَحَدِيثُنَا أَوْلَى كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لِاتِّصَالِهِ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: وَلِجَرْيِهِ عَلَى الْقِيَاسِ مِنْ وُجُوبِ الِاشْتِغَالِ بِالِاسْتِمَاعِ الْوَاجِبِ، وَتَرْكِ التَّحِيَّةِ الْمَنْدُوبَةِ . أهـ
والله أعلم.

الخميس، 25 نوفمبر 2010

حكم بيع شعر الآدمي .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فعلماء المذاهب الأربعة على حرمة بيع شعر الآدمي وعلى حرمة الانتفاع به وذلك لأن بيعه فيه امتهان لحرمة الإنسان وكرامته؛ وأيضا يحرم الانتفاع بالشعر الآدمي لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة. رواه البخاريوعن حرمة بيع شعر الآدمي جاء في "العناية شرح الهداية" في الفقه الحنفي: ولا يجوز بيع شعور الإنسان، ولا الانتفاع بها؛ لأن الآدمي مكرم لا مبتذل، فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهانًا ومبتذلاً.


وجاء في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق من كتب الحنفية:قَالَ ( وَشَعْرِ الْإِنْسَانِ ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَعْرِ الْإِنْسَانِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُزْؤُهُ مُهَانًا، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ }، وَإِنَّمَا لُعِنَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إهَانَةِ الْمُكَرَّمِ.

وقال العدوي المالكي في حاشيته على شرح مختصر خليل للخرشي : تنبيه: سئل مالك عن بيع الشعر الذي يحلق من رؤوس الناس؟ فكرهه.
وقال النووي في المجموع - وهو من كتب الشافعية -: ما لا يجوز بيعه متصلاً لا يجوز بيعه منفصلاً، كشعر الآدمي.
وقال البهوتي في "كشاف القناع" - وهو من كتب الحنابلة -: ولا يجوز استعمال شعر الآدمي مع الحكم بطهارته لحرمته، أي احترامه. اهـ

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:اتّفق الفقهاء على عدم جواز الانتفاع بشعر الآدميّ بيعاً واستعمالاً، لأنّ الآدميّ مكرّم لقوله سبحانه وتعالى : « وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ » .
فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهاناً مبتذلاً . أهـ

وعن حرمة استعمال الشعر الآدمي والانتفاع به لأنه يدخل في الوصل المنهي عنه يقول الدكتور /محمد نعيم ياسين -رئيس قسم الفقه المقارن والسياسة الشرعية- كلية الشريعة والدراسات الإسلامية- جامعة الكويت في بحث له بعنوان بيع الأعضاء الآدمية:[بتصرف]هذا ولا بد من الإشارة إلى أن بعض أجزاء الآدمي لا يجوز بيعها بحال من الأحوال، لورود نص خاص في النهي عن استعمالها، أو لتنافيها مع مبدأ شرعي آخر غير ما ذكر، ومن ذلك :
بيع الشعر الآدمي وشراؤه لوصله بشعر المشتري ؛ فقد ورد عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : جاءت امرأة إلى النبي r فقالت : يا رسول الله، إن لي ابنة عريسا، أصابتها حصبة فتمرق شعرها، أفأصله ؟ فقال: " لعن الله الواصلة والمستوصلة .


وأغلب الظن أن حكمة النهي عن ذلك ليست هي ما ذهب إليه بعض علماء الحنفية من تنافيه مع ما جعل لابن آدم من تشريف وتكريم، وإنما لما فيه من تزوير بتزين المرء بما ليس فيه، وهذا منهي عنه، فقد قال الرسول r ( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)، ومعناه المتكثر بما ليس عنده، بأن يظهر أن عنده ما ليس له يتكثر بذلك عند الناس ويتزين بالباطل، فهو مذموم كما يذم من لبس ثوبي زور .


ويؤيد هذا المعنى ما صح عن رسول الله r أنه زجر عن أن تصل المرأة برأسها شيئا، فشمل بهذا الزجر كل شيء تصله بشعرها وإن لم يكن شعر آدمي، ما دام بظهرها بمظهر ليس فيها .
ومن ذلك أيضا بيع مني الرجل، فلا شك في حرمته وبطلانه ؛ لأن استعماله بعد البيع فيما خلق له من طلب النسل يؤدي إلى اختلاط الأنساب، وهو حرام بلا خلاف .

والله أعلم.

الاثنين، 22 نوفمبر 2010

حق الزوجة في سكن مستقل


سألتني إحدى النساء قائلة ما حكم الشرع في إني أريد منزلا منفصلا عن أهل زوجي وخاصة أن زوجى وعدني بذلك قبل الزواج؟
فكان مما أجبتها به قولي:
بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
الأخت الفاضلة : الجواب هذا السؤال له شقان شق شرعي، وشق اجتماعي، فمن حقك شرعا على زوجك أن يسكنك في بيت مستقل دون أن يشرك معك أحدا من أهله أو أقاربه رجالا أو نساء، وحجاب الزوجة في مسكن العائلة عند وجود إخوة الزوج الأجانب عن المرأة فيه قيد شديد على المرأة، وربما حدث من أثر الاحتكاك اليومي مشكلات تؤدي إلى الشقاق.
فعليك أن تصارحي زوجك بذلك، واشرحي له كيف أن الزوجة تحب أن تلبس لزوجها وأن تعيش معه في بيت الزوجية دون أن تتكلف أعباء زائدة عليها مثل التزام الحجاب طيلة الوقت، واجتنابها في الوقوع في الخلوة المحرمة،
وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من دخول أقارب الزوج الأجانب على الزوجة ففي الحديث المتفق عليه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت " . والحمو : قريب الزوج الذي ليس محرما للزوجة .
وأعلميه أن هذا حقك شرعا لقول الحق سبحانه وتعالى:" أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ " [الطلاق/6].
وعلى الزوج أن يوفر لزوجه هذا المسكن ، بحسب ما يتناسب مع حالها في حدود قدرته المالية.
أما الجانب الاجتماعي فيتمثل في كيفية حصولك على هذا الحق الشرعي، وهذا يستلزم منك دراسة هذه المشكلة حتى تجدين حلا لها ولن يتأتى هذا الحال إلا إذا تفهَّم زوجك أن هذا حقك وأنه عليه أن يجيبك إلى هذا الطلب، وإذا كان يخشى إغضاب أهله فبإمكانه أن يعتذر إليهم بأنك أنت التي لا تريدين ذلك، وأنك متمسكة بحقك الشرعي في استقلالك بمنزل مستقل، فغضب أهله عليك منك أخف من غضبهم على ولدهم. كما يمكنك أن توسطي بينك وبينهم أهل العلم والفضل والعقل.

وعليك أن تتلطفي مع زوجك لكي تحصلي منه على حقك الشرعي في مسكن مستقل، وغياب الحنكة وعدم التلطف في مثل هذه الأمور قد يحدث شرخا في بنيان الأسرة ـ نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمع بينكما في خير.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :
السكنى للزوجة على زوجها واجبة, وهذا الحكم متفق عليه بين الفقهاء, لأن الله تعالى جعل للمطلقة الرجعية السكنى على زوجها. قال تعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } فوجوب السكنى للتي هي في صلب النكاح أولى. ولأن الله تعالى أوجب المعاشرة بين الأزواج بالمعروف قال تعالى : { وعاشروهن بالمعروف } ومن المعروف المأمور به أن يسكنها في مسكن تأمن فيه على نفسها ومالها, كما أن الزوجة لا تستغني عن المسكن; للاستتار عن العيون والاستمتاع وحفظ المتاع. فلذلك كانت السكنى حقا لها على زوجها, وهو حق ثابت بإجماع أهل العلم.

فالجمع بين الأبوين والزوجة في مسكن واحد لا يجوز - وكذا غيرهما من الأقارب - ولذلك يكون للزوجة الامتناع عن السكنى مع واحد منهما; لأن الانفراد بمسكن تأمن فيه على نفسها ومالها حقها, وليس لأحد جبرها على ذلك. وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة. وذهب المالكية إلى التفريق بين الزوجة الشريفة والوضيعة, وقالوا بعدم جواز الجمع بين الزوجة الشريفة والوالدين, وبجواز ذلك مع الزوجة الوضيعة, إلا إذا كان في الجمع بين الوضيعة والوالدين ضرر عليها. وإذا اشترط الزوج على زوجته السكنى مع الأبوين, فسكنت ثم طلبت الانفراد بمسكن فليس لها ذلك عند المالكية, إلا إذا أثبتت الضرر من السكن مع الوالدين. وقال الحنابلة: إن كان عاجزا لا يلزمه إجابة طلبها, وإن كان قادرا يلزمه. وقيل لا يلزمه غير ما شرطته عليه.
أهـ
وقال ابن قدامة في المغني:
ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى { أسكنوهن … } ، فإذا وجبت السكنى للمطلَّقة فللتي في صلب النكاح أولى ، قال الله تعالى { وعاشروهن بالمعروف .
ومن المعروف أن يسكنها في مسكن ، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون ، وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع.
والله أعلم .

الأحد، 21 نوفمبر 2010

حكم استخدام اليد اليسرى في الأكل


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامن في أموره كلها، فكان يحب الأكل بيمينه مثلا، وقد جاء الأمر بالأكل باليد اليمنى في الحديث الذي رواه البخاري بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعُمَرَ بنِ أبي سَلَمَةَ، وكان غلاما في حجره: ((يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك))

كما جاء النهي عن استعمال اليد اليسرى في الأكل أيضا، ففي صحيح مسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ وَلاَ يَشْرَبَنَّ بِهَا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا ». قَالَ: وَكَانَ نَافِعٌ يَزِيدُ فِيهَا « وَلاَ يَأْخُذُ بِهَا وَلاَ يُعْطِى بِهَا ». وَفِى رِوَايَةِ أَبِى الطَّاهِرِ « لاَ يَأْكُلَنَّ أَحَدُكُمْ ».

أما اليد اليسرى فإنها تقدم في الأمور التي لا يليق فعلها باليد اليمنى كالاستنجاء مثلا.


وقد اختلف العلماء في الأكل باليد اليسرى، هل هو من المكروهات أو من المحرمات؟ وذلك راجع إلى اختلافهم في الأمر والنهي في الحديثين الشريفين
هل الأمر للوجوب أو للندب؟ وهل النهي للتحريم أو للكراهة؟

فمن العلماء من قال إن الأمر في حديث البخاري للندب والإرشاد، والنهي في حديث مسلم للكراهة وعليه يكون الأكل باليمين من المستحبات وقد قال بهذا الرأي النووي في شرحه على صحيح مسلم، عندما شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لَا تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ فَإِنَّ الشَّيْطَان يَأْكُل بِالشِّمَالِ ) قال:

فيه استحباب الأكل والشرب باليمين وكراهتهما بالشمال ، وقد زاد نافع الأخذ والإعطاء.

وهناك من ذهب إلى أن الأمر للوجوب والنهي للتحريم وعلى هذا فاستعمال اليد اليسرى في الطعام أمر محرم؛ لأن الحديث دليل على وجوب الأكل باليمين للأمر به أيضاً ويزيد هذا الأمر تأكيداً وبيانا : أنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وفعل الشيطان يحرم على الإنسان. وما كان من عمل الشيطان على المسلم تركه واجتنابه قال تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة/90]
وقد نصر هذا القول [وجوب الأكل باليمين] الحافظ ابن حجر العسقلاني ورد قول من قال إن الأمر للاستحباب.
قال:
ويدل على وجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال. أهـ

وقال الحافظ المناوي في فيض القدير:

قال العراقي في شرح الترمذي : حمل أكثر الشافعية الأمر بالأكل والشرب باليمين على الندب، وبه جزم الغزالي والنووي، لكن نص الشافعي في الرسالة وموضع من الأم على الوجوب.

قال ابن حجر وكذا ذكره عنه الصيرفي في شرح الرسالة.أهـ

وعلى القول بالوجوب يكون استعمال اليد اليسرى في تناول الطعام محرما،
وما كان حراما لا يباح إلا للضرورة، لقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام/119]

فأحيانا أحدهم تكون يده اليمنى مكسورة أو مشلولة [معطلة عن العمل] أو لا يستطيع أن يتحكم فيها التحكم الكافي الأمثل فمثل هذا يجوز له الأكل بيده اليسرى للضرورة الحاصلة معه.
والكراهة كذلك مرفوعة على قول من قال بالاستحباب؛ لأن الكراهة تزول بأدنى حاجة.

وهناك من الناس من يمكنه الأكل باليد اليمنى ولكنه يجد أريحية في الأكل باليد اليسرى فمثل هذا عليه أن يعود نفسه الأكل باليد اليمنى وإلا وقع في الإثم الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم.

السبت، 13 نوفمبر 2010

ذبح الأضحية ليلا

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
يبدأ وقت الأضحية بعد صلاة العيد، ورأى المالكية أن يكون الذبح بعد أن يقوم الإمام بذبح أضحيته، فإن لم يذبح اعتبر زمن ذبحه. ورأي الجمهور أرجح وأيسر.
وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.
واختلف العلماء في مسألة الذبح ليلا، فذهب أكثر الفقهاء إلى كراهة الذبح في هذا الوقت، وعند المالكية لا يجوز الذبح ليلاً، فإن فعل فليست أضحية، وهناك من قال بالجواز وعدم الكراهة، والذي نرجحه في هذه المسألة هو جواز الذبح ليلا دون كراهة، حتى الكراهة عند الجمهور تزول عند أدنى حاجة, فعلى هذا يظهر جواز الذبح ليلا، ولا حرج عليكم في الذبح في هذا الوقت.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
أما ليلة عيد الأضحى فليست وقتا للتضحية بلا خلاف، وكذلك الليلة المتأخرة من أيام النحر، وإنما الخلاف في الليلتين أو الليالي المتوسطة بين أيام النحر . فالمالكية يقولون : لا تجزئ التضحية التي تقع في الليلتين المتوسطتين، وهما ليلتا يومي التشريق من غروب الشمس إلى طلوع الفجر . وهذا أحد قولي الحنابلة .
وقال الحنابلة والشافعية :
إن التضحية في الليالي المتوسطة تجزئ مع الكراهة، لأن الذابح قد يخطئ المذبح، وإليه ذهب إسحاق وأبو ثور والجمهور . وهو أصح القولين عند الحنابلة .
واستثنى الشافعية من كراهية التضحية ليلا ما لو كان ذلك لحاجة، كاشتغاله نهارا بما يمنعه من التضحية، أو مصلحة كتيسر الفقراء ليلا، أو سهولة حضورهم . أهـ
وهناك أحاديث جاءت بالمنع من الذبح ليلا ولكنها لم تسلم من الطعن مثل الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس مرفوعا نصه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأضحية ليلا، جاء في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر العسقلاني:
حَدِيثُ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الذَّبْحِ لَيْلًا } .الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ .
وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا، وَفِيهِ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ .أهـ
ومما اعتمدوه في منعهم ما جاء عن الحسن البصري أنه قال :" نهي عن جذاذ الليل، وحصاد الليل، والأضحى بالليل" وحديث البصري كما قال النووي: مرسل أو موقوف.
ومرجع الخلاف بين العلماء عائد إلى"ليالي النحر" هل تدخل مع أيام النحر؟ فمن قال: إنها تدخل أجاز الذبح، ومن قال إنها لا تدخل منع الذبح.
والقرآن الكريم ذكر اليوم بمعنى النهار فقط، وفي مواطن أخرى جاء اليوم بمعنى النهار والليل،
فمن الأول قول تعالى: "وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا" [الحاقة/6، 7] فالآية الكريمة خصصت اليوم بالنهار بدلالة عطفه على الليل.
ومنه قول الحق سبحانه وتعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة/183، 184] ومن المعلوم أن الصوم يستغرق زمن النهار، ولا يكون في الليل.
ومن مجيء اليوم في القرآن مرادا به الليل والنهار، قوله تعالى:" فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ" [هود/65] وإن كان غالب استعمال القرآن أن يأتي اليوم بمعنى النهار.
وفي البيان النبوي جاء اليوم بمعنى النهار فقط، وبمعنى النهار والليلة معا، فمن الأول ما رواه البخارى في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ». فاليوم هنا بمعنى النهار.
ومن مجيء اليوم بمعنى النهار والليلة ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِى مِنْ دَرَنِهِ » فاليوم هنا يشمل صلوات الليل والنهار.
ورجّح فضيلة الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- جواز الذبح ليلا بلا كراهة، لأنه رأى أن الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي.
قال رحمه الله في أحكام الأضحية والذكاة:
والذبح في النهار أفضل، ويجوز في الليل؛ لأن الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي، ولذلك دخلت الليالي في الأيام في الذكر حيث كانت وقتا له كما كان النهار وقتا له، فكذلك تدخل في الذبح فتكون وقتا له كالنهار .
ولا يكره الذبح في الليل؛ لأنه لا دليل على الكراهة، والكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل .
وأما ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح ليلا، فقال في (( التلخيص )) : فيه سليمان بن سلمة الخبائري، وهو متروك
وأما قول بعضهم : يكره الذبح ليلا خروجا من الخلاف؛ فالتعليل ليس حجة شرعية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمبة :
تعليل الأحكام بالخلاف علة باطلة في نفس الأمر، فإن الخلاف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها الأحكام، فإنه وصف حادث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يسلكه من لم يكن عارفا بالأدلة الشرعية في نفس الأمر لطلب الاحتياط . اهـ.
والله أعلم

الاثنين، 1 نوفمبر 2010

صلاة صاحب الأعذار

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فمعلوم أن الصلاة لا تُقبل بغير طهارة من الحدث والنجس، وخروج شيء من السبيلين المعتادين وهما القُبُل والدُّبُر، من بول أو غائط أو ريح يبطل الوضوء.
ودوام خروج الريح، وعدم انقطاعه واستغراقه وقت الفرض على وجه لا يمكن معه الوضوء يجعل صاحبه من ذوي الأعذار. وهذا العذر لا يلزم معه إعادة الوضوء والصلاة فهذه مشقة عظيمة، والله تعالى قد خفف علينا بقوله : "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" [البقرة/185]} وقال تعالى:" فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" [التغابن/16]

ومن القواعد الفقهية التي اعتمد عليها الفقهاء قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) وقد تخرجت على هذه القاعدة الكثير من الرخص والتخفيفات.
و يكفي صاحب العذر أن يتوضأ للصلاة المفروضة ، وينوي استباحة الصلاة لا رفع الحدث، لأن الحدث دائم ، ويتوضأ لكل صلاة في وقتها، ولا يضره ما خرج منه بعد ذلك على رأي الجمهور عدا المالكية. أما المالكية فلا يجب عندهم أن يتوضأ صاحب السلس لكل صلاة بعد دخول وقتها ، ولكن يستحب إذا لم يحصل ناقض آخر. فيجوز عند المالكية أن يتوضأ صاحب العذر قبل دخول وقت الصلاة.
فالجمهور على وجوب تجديد وضوء المعذور، أما المالكية فلا يقولون بالوجوب وإنما باستحباب الوضوء فقط.
وسلس البول , أو استطلاق البطن , أو انفلات الريح من الأحداث الدائمة التي تجعل صاحبها معذورا , فيعامل في وضوئه وعبادته , معاملة خاصة تختلف عن معاملة غيره من الأصحاء , وقد قاس العلماء عبادة صاحب العذر على عبادة المستحاضة، فقد ذكر الحنفية أن المستحاضة , ومن به سلس البول , أو استطلاق البطن , أو انفلات الريح , أو رعاف دائم , أو جرح لا يرقأ , يتوضئون لوقت كل صلاة , لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ" رواه أبو داود والترمذي، وصححه الشيخ الألباني، ويقاس على المستحاضة غيرها من أصحاب الأعذار.
فأصحاب الأعذار لهم أن يتوضئوا لكل صلاة بعد دخول وقتها – على رأي الجمهور- ولهم أن يصلوا بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض, والنوافل, ويبطل الوضوء عند خروج وقت المفروضة , ويبقى الوضوء ما دام الوقت باقيا بشرطين :
1- أن يتوضأ لعذره.

2- وأن لا يطرأ عليه ناقض آخر من نواقض الوضوء.
قال في الإنصاف في شأن المستحاضة: وتتوضأ لوقت كل صلاة إذا خرج شيء بعد الوضوء، فأما إذا لم يخرج شيء فلا تتوضأ على الصحيح من المذهب، جزم به في المغني والشرح وغيرهما. وقدمه في الفروع، ونص عليه فيمن به سلس البول. انتهى.
وقال في الفروع لابن مفلح:

وتتوضأ لكل صلاة إلا ألا يخرج شيء، نص عليه فيمن به سلس البول. وقيل: يجب ولو لم يخرج، وهو ظاهر كلام جماعة. انتهى
وهذا الحكم فيمن كان خروج الناقض منه مستمرا فإن كان يأتي وقت ما ينقطع فيه خروج الناقض، وجب عليه أن يصلي الصلاة في هذا الوقت فإن كان في أول الوقت سارع بالصلاة وإن كان في آخر الوقت أخَّر الصلاة
جاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير من كتب المالكية:
فإن انضبط [أي وقت خروج السلس] بأن جرت عادته أنه ينقطع آخر الوقت وجب عليه تأخير الصلاة لآخره ، أو ينقطع أوله وجب عليه تقديمها .. وكذا إذا قدر على التداوي وجب عليه التداوي ، واغتفر له أيامه .. أهـ
والله أعلم