الاثنين، 28 مايو 2012

التفحيط بالسيارات .. رؤية شريعة


تناقلت وسائل الإعلام صورة بشعة لمصرع شابين وهما يقومان بما يسمى بالتفحيط، وكان عاقبة أمرهما أنهما فقدا حياتهما، وقد ناديت منذ خمس سنين بحرمة هذه العادة السيئة التي انتشرت في ربوع الشباب، فالنفس الإنسانية هي أعز ما يملكه الإنسان عامة والمسلم خاصة، وعلى المسلم أن يستثمر حياته في مرضاة الله وكذلك عليه أن يستثمر موته في مرضاة الله، ودعوة المسلم التقي هي أن ينال الشهادة حتى يحظى بما أعده الله للشهداء مصداقا لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة/111] فالمسلم حياته طاعة وموته طاعة، وإن الخسران المبين هو فقد المسلم لحياته بسبب لعبة محرمة، فاللهم أحينا على طاعتك وتوفنا على طاعتك وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. وأكرر الآن ما قلته سابقا في حرمة التفحيط ليت قومي يعلمون
: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: يقصد بالتفحيط هو ما يقوم به قائد السيارة من ألعاب بهلوانية بالسيارة، وقد ينتهي الأمر بأن يقوم قائد السيارة بقتل نفسه أو قتل غيره بسبب هذه الألعاب الخطرة التي يتعمدها، أو إصابة نفسه أو إصابة غيره، أو إحداث أضرار مادية بما يمتلكه هو أو ما يمتلكه الآخرون. والتفحيط من الأمور المحرمة شرعا، وذلك لما قد يترتب عليه من قتل للنفس وقد قال تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) أو قتل للغير بغير حقٍّ، وقد قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ). كما يحرم إلحاق الأذى بالنفس أو بالغير، قال تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَىالتَّهْلُكَةِ) فإلقاء الأيدي إلى التهلكة يشمل كل ما فيه إهلاك للروح والدين، وكل ما يستوجب عذاب الله يوم القيامة. كما جاء في الحديث الذي أخرجه أخرجه الإمام مالك في الموطأ،والدارقطني،وصحَّحه الحاكم على شرط الإمام مسلم:" لا ضرر ولا ضرار". كما يحرم تعمد إتلاف السيارة وإلحاق الضرر بها، وذلك لأن السيارة نعمة من النعم التي أنعم الله بها على عباده قال تعالى: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) . 

والنعمة تقابل بشكر المُنعم وصيانتها، ولا تقابل بتعمد إتلافها والإضرار بها. كما أنَّ إتلاف السيارة بهذا التفحيط إتلاف للمال الذي اشتريت به السيارة، وقد بوَّب الإمام البخاري باباً في صحيحه بعنوان بَاب مَا يُنْهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى{ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ }وَ{ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } روى فيه عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ." والمسلم مسئول أيضًا عن ماله فيما اكتسبه وأين أنفقه كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي في سننه عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ." 

وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء ما نصه : 
( التفحيط ظاهرة سيئة .. يقوم بارتكابها بعض الشباب الهابطين في تفكيرهم وسلوكهم .. نتيجة لقصورٍ في تربيتهم وتوجيههم ، وإهمالٍ من قبل أولياء أمورهم ، وهذا الفعل محرم شرعا، نظراً لما يترتب على ارتكابه من قتلٍ للأنفس وإتلافٍ للأموال وإزعاجٍ للآخرين وتعطيلٍ لحركة السير) . 
والله أعلم.

 * ملحوظة كان النشر الأول لهذه الفتوى في 19-فبراير 2007 على موقع إسلام أون لاين 


الثلاثاء، 22 مايو 2012

يطاقات التخفيض رؤية شرعية


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فبطاقة التخفيض مدفوعة الثمن هي بطاقة يشتريها العميل لكي يتمتع بخصم محدد من أسعار السلع أو الخدمات التي يشتريها، وفي واقعة السؤال نجد أنها بطاقة ثنائية أي بين المتجر والعميل، وهدف هذه البطاقة إيجاد رغبة الشراء عند العميل، وأيضا تحصيل عائد مادي متمثل في قيمة البطاقة التي اشتراها العميل. ومن فوائدها للمتجر أيضا استقطاب عملاء جدد، ودعم العلاقات التجارية بين مقدم البطاقة والمستفيد منها، أما بالنسبة للعميل فإنها ستوفر له السلعة بثمن منخفض، وهذا من المقاصد المعتبرة في العملية الشرائية.
وبطاقة التخفيض مدفوعة الثمن لم تسلم من المحاذير الشرعية التي تقضي بحرمة التعامل بها، ومن هذه المحاذير الشرعية:
المخاطرة: فمن يشتري البطاقة لا يدري حاله هل هو من أصحاب الغنم أو من أهل الغرم؟ فقد يستفيد بالبطاقة ويحصل على كل التخفيضات المقررة عليها فيكون من أهل الغنم، وقد يفوته شيء فيكون من أهل الغرم، وتتفاوت حاله بين الغنم والغرم على قدر انتفاعه من البطاقة، وهذا عين ميسر القمار، وَالتَّمْلِيكَاتُ لاَ تَحْتَمِل هذه المعاملة ، لأَِدَائِهِا إِلَى مَعْنَى الْقِمَارِ، وسمي القمار قمارا لأنَّ كلَّ واحد من المقامرين يجوز أن يذهب ماله لصاحبه ويجوز أن يأخذ مال صاحبه، وقد حرمته الشريعة الغراء، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة/90]
الغرر : حيث إن المستفيد من هذه البطاقة قد قام بشراء البطاقة بغية الحصول على تخفيض في ثمن السلع التي سيقوم بشرائها في المستقبل أو في ثمن الخدمات، وقيمة التخفيض مجهولة، فمصدر البطاقة ومن اشتراها كلاهما لا يعلم مقدار الخصم الذي سيقدمه هذا إلى ذاك، وقد يحدث أن يمنع مانع صاحب البطاقة من الشراء، وقد يشتري شيئا قليلا أو كثيرا، فهنا جهل تام بعين المبيع، إذ لا يعلم حقيقة قدر ما سيشتريه صاحب البطاقة وقدر ما سيبيعه مقدّم البطاقة فهذا كله يجعل المعاملة فاسدة لما فيها من الغرر والجهل، وقد أتت الشريعة بتحريم الغرر في عقود المعاوضات، فقد جاء في حديث مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-َعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ.
أكل أموال الناس بالباطل: فإن مقدم الخدمة قد جنى مالا دون أن يقدم سلعة أو خدمة لهذا المال الذي أخذه، فمن اشترى البطاقة قدّم ثمنا دون أن يأخذ مثمنا، وهذا من أكل أموال الناس بالباطل، وقد قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ"  [النساء/29] وقد يقع مشتري البطاقة في الإسراف المنهي عنه شرعا وذلك عندما يضطر لشراء أي سلع لا يريدها حتى لا تضيع عليه البطاقة.
وقد انتهى المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، في دورته الثامنة عشرة إلى قرار بتحريم التعامل بهذه البطاقات ، ومما جاء فيه : " بعد الاستماع إلى الأبْحاثِ المقدَّمة في الموضوع والمناقشات المستفيضة قرَّر : أولاً: عدم جواز إصدار بطاقات التخفيض المذكورة أو شرائها إذا كانت مقابل ثمن مقطوع أو اشتراك سنوي؛ لما فيها من الغرر؛ فإن مشتري البطاقة يدفع مالاً ولا يعرف ما سيحصل عليه مقابل ذلك؛ فالغرم فيها متحقق يقابله غنم محتمل، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه.
ثانياً: إذا كانت بطاقات التخفيض تصدر بالمجان من غير مقابل، فإن إصدارها وقبولها جائز شرعاً؛ لأنه من باب الوعد بالتبرع أو الهبة. ا.هـ
الخلاصة:
أن بطاقة التخفيض مدفوعة الثمن يحرم التعامل بها، أما بطاقة التخفيض المجانية فلا حرج من التعامل بها.
والله أعلم.

الاثنين، 21 مايو 2012

هل يفرق بين الرجل والمرأة في الإسلام؟

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 
فإن الله تعالى ساوى بين الرجل والمرأة في أصل التكليف الشرعي، ووعد الله من أحسن منهما بالجنة، قال تعالى:" مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [النحل/97] وخطاب الله تعالى في القرآن للرجل هو خطاب يشمل المرأة أيضا إلا ما خصص، فالتكاليف الشرعية واحدة في حق الجميع ولكن بالنسبة للأحكام الشرعية سنجد أن معظم أحكام الشرع مطالب بها الرجل والمرأة، فالمرأة تتوضأ مثل الرجل، وتصلي وتصوم وتزكي وتحج ..إلخ ولكن هناك أحكام شرعية يختص بها الرجل نظرا لطبيعة المرأة.
 وهناك أحكام شرعية تختص بها المرأة نظرا لطبيعتها، وهذه التفرقة في الأحكام مردها الاختلاف الطبعي الذي أودعه الله في كل من الرجل والمرأة، وهذا الاختلاف بين الجنسين هو اختلاف تكامل فالمرأة تكمل الرجل، والرجل يكمل المرأة. فمن الأحكام التي خص بها الرجل النفقة لأن طبيعة الرجل الجسمانية تؤهله لأن يكون هو العائل لأسرته، ودليله من الكتاب قوله تعالى:لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7].
 ودليل السنة قوله صلى الله عليه وسلم: ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. ومن أجل أن النفقة واجبة عليه لا عليها كان حظه في الميراث في بعض الحالات أعلى من حقها قال تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء/11] وإن كانت بعض الحالات ترث المرأة فيه مثل الرجل وذلك مثل إذا توفى رجل وترك أماً و أباً و ابناً فإن الأم والأب كل منهما يأخذ السدس، وأحيانا ترث المرأة نصيبا أعلى من الرجل مثال ذلك إذا توفت المرأة و تركت زوجاً و بنتاً فإنَّ البنت ترث النصف و والدها يرث الربع فقط. ومما يختص به الرجل القوامة قال تعالى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" [النساء/34] والآية ذكرت سبب كون القوامة للرجل ورجعته إلى سببين الأول وهبي مأخوذ من قوله تعالى:( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) فالله تعالى فضَّل الذكر على الأنثى والتفضيل سنة إلهية في الكون فقد فضَّل الله بعض الشهور على بعض، وفضل بعض الأيام على بعض، كما فضَّل بعض الملائكة على بعض، وفضَّل أيضا بعض المرسلين على بعض، قال تعالى:" تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ" [البقرة/253] 
وهناك فارق بين تفضيل الجنس وتفضيل جميع الأفراد، فالآية قد فضلت جنس الرجل على جنس المرأة، أما تفضيل جميع الرجال على النساء فلا فقد تفوق امرأة واحدة الرجال.
 وقد تسبق فتاة الرجال في العلم والأدب والأخلاق. وفي هذا يقول المتنبي: فلو كان النساء كمن ذكرنا لفضلت النساء على الرجال .
أما السبب الثاني فهو كسبي، يعود إلى الرجل لأن الله أناط به الإنفاق على الأسرة، وهو المقصود من قوله تعالى:(وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) وقد قال تعالى أيضا: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة/228] ومن الأحكام التي يختص بها الرجل الولاية العامة، وإباحة الزواج بأكثر من واحدة حتى أربع نسوة، وأن الطلاق يكون بيده لا بيد المرأة، وأنه يباح له الزواج بكتابية، وأن يسافر منفردا وأن الجهاد قد كتب عليه لا عليها، وكل هذه الأمور عائدة إلى أن الله تعالى خلق الذكر قويا خشنا يتحمل، ومن الأحكام التي تناسب المرأة لرقتها إباحة الذهب والحرير لها بخلاف الرجل فإنه يحرم عليه لبس الذهب والحرير، وأن صلاتها في بيتها خير لها، ولما خلق الله عليه المرأة من الأنوثة أمرها بأن تغطي سائر جسدها عدا الوجه والكفين، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب/59] أماعورة الرجل فهي ما بين السرة إلى الركبة عورة، ومما تختص به المرأة من أحكام عائدة إلى أنوثتها أنها تترك الصلاة والصيام أيام عادتها الشهرية فتقضي أيام الصوم، ولا تقضي أيام الصلاة، ولحاجة جنينها لها وكذلك الرضيع أباح لها الشرع ترك الصوم إذا اقتضت الحاجة لمصلحة صغيرها، ولما أودعه الله قلب المرأة من حنان وعاطفة، وسيطرة العاطفة على جنس النساء كانت شهادتهن في الأموال نصف شهادة الرجل، وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى [البقرة/282] 
ويذكر الشيخ محمد عبده السبب في ذلك قائلا: 
المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات، فلذلك تكون ذاكرتها فيها ضعيفة ولا تكون كذلك في الأمور المنزلية التي هي شغلها ، فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل ، يعني أن من طبع البشر ذكرانا وإناثا أن يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم ويكثر اشتغالهم بها ، ولا ينافي ذلك اشتغال بعض نساء الأجانب في هذا العصر بالأعمال المالية فإنه قليل لا يعول عليه ، والأحكام العامة إنما تناط بالأكثر في الأشياء وبالأصل فيها. اهـ وعلى هذا فيمكننا القول بأن الله أعطى كل جنس أحكامه الخاصة التي تليق به وبما أودعه الله فيه من طاقات وصدق من قال: "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" [الملك/14] 

والله أعلم.


السبت، 12 مايو 2012

من ضوابط خروج المرأة للعمل

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الإسلام لم يحرم عمل المرأة، والأصل في عمل المرأة هو الجواز، وأحيانا يتعين على المرأة كما إذا كانت المرأة متعلمة وليس لها من عائل يعولها، وعلى المرأة إذا أرادت أن تخرج من بيتها للعمل أن تلتزم بآداب الشرع الحنيف، من غض البصر لقوله تعالى: "وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ" [النور/31] ، والالتزام بالزي الإسلامي، لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور/31]" والحشمة في السير، لقوله تعالى:" وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ" [النور/31] وعدم الخضوع في القول، لقوله تعالى:" فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا" [الأحزاب/32] وعدم الاختلاء بالرجال، وذلك لما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. وقال صلى الله عليه وسلم: ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. رواه أحمد والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما. كما روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينها وبينه محرم. ومن هذه الشروط أيضا أن يكون اللقاء مقصورا على حاجة العمل فقط دون أن يترتب على هذا العمل أمور أخرى خارج ما يقتضيه العمل. وهناك من أهل العلم من ذهب إلى حرمة عمل المرأة في الأماكن المختلطة عملا بمبدأ سد الذرائع، لا لأن الاختلاط محرم على إطلاقه، فالاختلاط إذا كان منضبطا بالأمور الشرعية لم يحرم، ومن الشروط التي يجب على المرأة أن تتحلى بها في عملها خلق الحياء، ويدل على هذا ما جاء في سورة القصص:" فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ" [القصص/25] فإن مشيتها كانت على استحياء، كما أن قولها كان يلفه الحياء لفًّا.
ويضاف إلى هذه الشروط أن يكون العمل في ذاته مباحا، ويلائم طبيعة المرأة التي فطرها الله عليها، وألا يترتب على هذا العمل ضياع حقوق الدين أو العائلة، فالعمل الذي لا يمكن المرأة من إقامة شعائر دينها يحرم علي المرأة أن تزاوله، كما أن العمل الذي يترتب عليه ضياع أسرته من زوج وأولاد فإنه يحرم على المرأة مزاولته لأن حقوق الزوج والأولاد مقدمة على حقها في مزاولة العمل إن تعارضت الحقوق، وعلى المرأة المتزوجة أن تحصل على إذن زوجها في الخروج للعمل، كما يشترط في العمل أن يحقق نفعا ما؛ لأنَّ العمل الذي لا يحقق أي منفعة يكون عبثا، والمسلم مأمور بالاحتراز عن العبث، كما يشترط في العمل أيضا ألا يؤدي إلى فتنة، وألا يوقع في مفسدة سواء أكانت مفسدة في الدنيا أو الدين، فكل ما كان طريقا للفتن على المسلم أن يتجنبه، فإذا التزمت المرأة كل هذه الشروط وامتنعت عن النواهي كان العمل مباحا وإلا فلا.
 والله أعلم.

الأربعاء، 9 مايو 2012

بين الرفق والعقاب مسافات يقدرها الحكيم


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن مسألة تربية الأطفال وتأديبهم، ولا سيما البنات منهن من الأمور التي لا يتسع المقام لبسط الكلام فيها، ولكن نذكر ضابطا عاما معينا في هذا المقام، وهو ما دلنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله رفيق يجب الرفق في الأمر كله. وفي رواية : إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه. ، وعنها رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه. رواه مسلم. وقال أيضاً: ومن يحرم الرفق يحرم الخير كله. رواه مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه. وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس: إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة. "والأناة : التثبت وترك العجلة".
فتربية النشء تحتاج من المربي إلى الرفق وإلى الحلم والأناة، وأيضا الحكمة، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه، فقد يضطر أحيانا إلى التعنيف ولكن التعنيف الذي يقوي لا التعنيف الذي يهدم، وفي هذا يقول الشاعر العربي الحكيم:
فَقَسا لِيزدَجِروا وَمَن يَكُ حازِماً       فَليَقسُ أَحياناً وَحيناً يَرحَمُ
وفي ضوء القسوة المطلوبة من المربي الحكيم الرحيم نستطيع أن نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر". رواه أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بإسناد صحيح.
والضرب المقصود في الحديث ليس الضرب الذي يشوه أو يكسر أو يهين بل الضرب الخفيف الذي يقوِّم السلوك وينفع لا الضرب المبرح
وسئل الإمام أحمد عما يجوز فيه ضرب الولد؟ قال: يضرب على الأدب. وقال أيضاً: اليتيم يؤدب، والصغير يضرب ضرباً خفيفاً. وسئل عن ضرب المعلم الصبيان؟ فقال: على قدر ذنوبهم، ويتوقى بجهده الضرب، وإن كان صغيراً لا يعقل فلا يضربه. وذكر ابن الجوزي أن الولد إذا احتيج إلى الضرب ضرب ضرباً غير مبرح. ولا سيما أن العقاب البدني المؤذي يفسد أكثر مما يصلح، وفساده يكون في ضعف الشخصية أو الاستمرار في العناد ويولد الكراهية ويدعو للجنوح لذا وجب على المربي أن يتجنب العقاب البدني المؤذي. وإذا احتاج للعقاب البدني فليكون عقابا خفيفا غرضه عدم تكرار السلوك المعيب، وأن يقتنع الطفل بأنه وقع في خطأ لذا فهو يعاقب.
على أن الأمور لو كانت تعالج بالرفق لتعين الرفق طريقا للعلاج، وإذا تعين الضرب الخفيف طريقا للعلاج كانت الحكمة في استعماله، فالحكمة هي وضع الشيء في موضعه دون إفراط أو تفريط، وننبه على أمر يجب على المربي أن يتحلى به وهو الحلم وعدم الغضب من التصرف الذي يعالجه لأن الغضب يعمي ويصم، والغضب غشاوة تغطي العقل وتدعو صاحبها للانتقام لا المعالجة، فيتحول الأمر من التأديب إلى الانتقام وهذا يأتي بخلاف المقصود من التربية، وقد ينتهي الأمر إلى الفوضى المفسدة لذا وجب علينا أن نحذر من الغضب.
والله أعلم.